البحر المحيط، ج ٤، ص : ٩٦
عليه ولا يراعي الغنيّ لغناه، ولا لخوف منه، ولا الفقير لمسكنته وفقره، ويكون قوله : فاللّه أولى بهما ليس هو الجواب، بل لما جرى ذكر الغني والفقير. عاد الضمير على ما دل عليه ما قبله كأنه قيل : فاللّه أولى بجنسي الغني والفقير أي : بالأغنياء والفقراء. وفي قراءة أبيّ :
فاللّه أولى بهم ما يشهد بإرادة الجنس. وذهب الأخفش وقوم، إلى أنّ أو في معنى الواو، فعلى قولهم يكون الجواب : فاللّه أولى بهما، أي : حيث شرع الشهادة عليهما، وهو أنظر لهما منكم. ولو لا أنّ الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها. وقال الأستاذ أبو الحن بن عصفور : وقد ذكر العطف بالواو والفاء وثم وحتى ما نصه تقول : زيد أو عمر، وقام زيد لا عمرو قام، وكذلك سائر ما بقي من حروف العطف يعني غير الواو وحتى والفاء وثم، والذي بقي بل ولكن وأم. قال : لا تقول قاما لأنّ القائم إنما هو أحدهما لا غير، ولا يجوز قاما إلا في أو خاصة، وذلك شذوذ لا يقاس عليه. قال اللّه تعالى : إن يكن غنيا أو فقيرا فاللّه أولى بهما، فأعاد الضمير على الغني والفقير لتفرقهما في الذكر انتهى. وهذا ليس بسديد. ولا شذوذ في الآية، ولا دليل فيها على جواز زيد أو عمرو قاما على جهة الشذوذ، ولا غيره.
ولأن قوله : فاللّه أولى بهما ليس بجواب كما قررناه، والضمير ليس عائدا على الغني والفقير الملفوظ بهما في الآية، وإنما يعود على ما دل عليه المعنى من جنسي الغني والفقير. وقرأ عبد اللّه : إن يكن غني أو فقير على أنّ كان تامة.
فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا لما أمر تعالى بالقيام بالعدل وبالشهادة لمرضاة اللّه نهى عن اتباع الهوى، وهو ما تميل إليه النفس مما لم يبحه اللّه تعالى وإن تعدلوا من العدول عن الحق، أو من العدل وهو القسط. فعلى الأول يكون التقدير : إرادة أن تجوروا، أو محبة أن تجوروا. وعلى الثاني يكون التقدير : كراهة أن تعدلوا بين الناس وتقسطوا.
وعكس ابن عطية هذا التقدير فقال : يحتمل أن يكون معناه مخافة أن تعدلوا، ويكون العدل بمعنى القسط كأنه قال : انتهوا خوف أن تجوروا، أو محبة أن تقسطوا. فإن جعلت العامل تتبعوا فيحتمل أن يكون المعنى : محبة أن تجوروا انتهى كلامه. وهذا الذي قرره من التقدير يكون العامل في أنّ تعدلوا فعلا محذوفا من معنى النهي، وكان الكلام قد تم عند قوله : فلا تتبعوا الهوى، ثم أضمر فعلا وقدره : انتهوا خوف أن تجورا، أو محبة أن تقسطوا، ولذلك قال : فإن جعلت العامل تتبعوا. والذي يدل عليه الظاهر أنّ العامل هو تتبعوا، ولا حاجة إلى إضمار جملة أخرى، فيكون فعلها عاملا في أن تعدلوا. وإذا كان العامل تتبعوا فيكون التقدير الأول هو المتجه، وعلى هذا التقادير فإنّ تعدلوا مفعول من