البحر المحيط، ج ٥، ص : ١٥١
تلك السنة من الكلأ والزرع ما لم يعهد مثله فأقاموا شهرا فبعث اللّه تعالى عليهم الجراد فأكلت عامة زرعهم وثمارهم ثمأكلت كل شيء حتى الأبواب وسقوف البيوت والثياب ولم يدخل بيوت بني إسرائيل منها شيء ففزعوا إلى موسى ووعدوه التوبة فكشف عنهم سبعة أيام وخرج موسى عليه السلام إلى الفضاء فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجع الجراد إلى النواحي التي جئن منها وقالوا ما نحن بتاركي ديننا فأقاموا شهرا وسلّط اللّه عليهم القمل
، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء : هو الدّبا وهو صغار الجراد قبل أن تنبت له أجنحة ولا يطير، وقال ابن جبير عن ابن عباس : هو السّوس الذي يقع في الحنطة، وقال الحسن وابن جبير : دواب سود صغار، وقال حبيب بن أبي ثابت هو الجعلان، وقال أبو عبيدة : هو الحمنان وهو ضرب من القردان، وقال عطاء الخراساني وزيد بن أسلم : هو القمل المعروف وهو لغة فيه ويؤيده قراءة الحسن بفتح القاف وسكون الميم، وقيل هو البراغيث حكاه ابن زيد وروي أنّ موسى مشى إلى كثيب أهيل فضربه بعصاه فانتشر كله قملا بمصر فأكل ما أبقاه الجراد ولحس الأرض وكان يدخل بين جلد القبطيّ وقميصه ويمتلىء الطعام ليلا ويطحن أحدهم عشرة أجربة فلا يرد منها إلا يسيرا وسعى في أبشارهم وشعورهم وأهداب عيونهم ولزمت جلودهم فضجوا وفزعوا إلى موسى عليه السلام فرفع عنهم فقالوا قد تحققنا الآن أنك ساحر وعزّة فرعون لا نصدقك أبدا، فأرسل اللّه عليهم بعد شهر الضفادع فملأت آنيتهم وأطعمتهم ومضاجعهم ورمت بأنفسها في القدور وهي تغلي وفي التنانير وهي تفور وإذا تكلم أحدهم وثبت إلى فيه
، قال ابن جبير : وكان أحدهم يجلس في الضفادع إلى ذقنه فقالوا لموسى ارحمنا هذه المرة ونحن نتوب التوبة النصوح ولا نعود فأخذ عليهم العهود فكشف عنهم فنقضوا العهد فأرسل اللّه عليهم الدم
قال الجمهور : صار ماؤهم دما حتى إنّ الإسرائيلي ليضع الماء في في القبطي فيصير في فيه دما وعطش فرعون حتى أشفى على الهلاك فكان يمصّ الأشجار الرطبة فإذا مضغها صار ماؤها الطيّب ملحا أجاجا، وقال سعيد بن المسيب : سال عليهم النيل دما، وقال زيد بن أسلم : الدّم هو الرعاف سلطه اللّه عليهم.
ومعنى تفصيل الآيات تبيينها وإزالة إشكالها والتفصيل في الاجرام هو التفريق وفي المعاني يراد به أنه فرق بينها فاستبانت وامتاز بعضها من بعض فلا يشكل على العاقل أنها من آيات اللّه التي لا يقدر عليها غيره وأنها عبرة لهم ونقمة على كفرهم، وقال ابن قتيبة سماها مُفَصَّلاتٍ لأن بين الآية والآية فصلا من الزمان، قيل كانت الآية تمكث من


الصفحة التالية