البحر المحيط، ج ٥، ص : ١٥٩
قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ما أحسن ما خاطبهم موسى عليه السلام بدأهم أولا بنسبتهم إلى الجهل ثم ثانيا أخبرهم بأن عبّاد الأصنام ليسوا على شيء بل مال أمرهم إلى الهلاك وبطلان العمل وثالثا أنكر وتعجب أن يقع هو عليه السلام في أن يبغي لهم غير اللّه إلها أي أَغَيْرَ المستحق للعبادة والألوهية أطلب لكم معبودا وهو الذي شرفكم واختصكم بالنعم التي لم يعطها من سلف من الأمم لا غيره فكيف أبغي لكم إلها غيره ومعنى عَلَى الْعالَمِينَ على عالمي زمانهم أو بكثرة الأنبياء فيهم، قال ابن القشيري : بإهلاك عدوهم وبما خصّهم من الآيات وانتصب غَيْرَ مفعولا بأبغيكم أي أبغي لكم غير اللّه، وإِلهاً تمييز عن غَيْرَ أو حال أو على الحال وإِلهاً المفعول والتقدير أبغي لكم إلها غير اللّه فكان غَيْرَ صفة فلما تقدم انتصب حالا، وقال ابن عطية : وغَيْرَ منصوبة بفعل مضمر هذا هو الظاهر ويحتمل أن ينتصب على الحال انتهى، ولا يظهر نصبه بفعل مضمر لأن أبغي مفرّغ له أو لقوله إِلهاً فإن تخيّل أنه منصوب بأبغي مضمرة يفسرها هذا الظاهر فلا يصحّ لأنّ الجملة المفسرة لا رابط فيها لا من ضمير ولا من ملابس يربطها بغير فلو كان التركيب أغير اللّه أبغيكموه لصحّ ويحتمل وهو فَضَّلَكُمْ أن يكون حالا وإن كون مستأنفا.
وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ وقرأ الجمهور أَنْجَيْناكُمْ وفرقة ونجّيناكم مشددا وابن عامر أنجاكم فعلى أنجاكم يكون جاريا على قوله وَهُوَ فَضَّلَكُمْ خاطب بها موسى قومه وفي قراءة النون خاطبهم اللّه تعالى بذلك، وقال الطبري : الخطاب لمن كان على عهد الرسول صلى اللّه عليه وسلم تقريعا لهم بما فعل أوائلهم وبما جاؤوا به وتقدّم تفسير نظير هذه الآية في أوائل البقرة، وقرأ نافع يُقَتِّلُونَ من قتل والجمهور من قتل مشددا.
وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً
روي أنّ موسى عليه السلام وعد بني إسرائيل وهو بمصر إن أهلك اللّه عدوهم أتاهم بكتاب من عند اللّه فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعون سأل موسى ربه تعالى الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يوما وهو شهر ذي القعدة فلما أتمّ الثلاثين أنكر خلوف فيه فتسوك، فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك، وقيل أوحى اللّه إليه أما علمت أن خلوف فم الصائم عند اللّه أطيب من ريح المسك فأمره أن يزيد عليه عشرة أيام من ذي الحجة لذلك، وقيل أمره اللّه بأن يصوم ثلاثين يوما وأن يعمل فيها بما يقربه من اللّه تعالى ثم أنزلت عليه التوراة في العشر وكلم فيها وأجمل ذكر الأربعين في البقرة وفصل هنا.