البحر المحيط، ج ٥، ص : ١٧
وهذه الوقعة كانت لآبائهم وتقدّم تفسير قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ «١» في سورة البقرة فأغنى عن إعادته وقوله لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ جملة لا موضع لها من الإعراب مؤكدة لمعنى ما أخرجه الاستثناء من نفي سجود إبليس كقوله أَبى وَاسْتَكْبَرَ بعد قوله إِلَّا إِبْلِيسَ في البقرة.
قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ الظاهر أنّ لا زائدة تفيد التوكيد والتحقيق كهي في قوله لئلا يعلم أي لأن يعلم وكأنه قيل ليتحقّق علم أهل الكتاب وما منعك أن تحقّق السجود وتلزمه نفسك إذ أمرتك ويدلّ على زيادتها قوله تعالى ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ وسقوطها في هذا دليل على زيادتها في أَلَّا تَسْجُدَ والمعنى أنه وبّخه وقرّعه على امتناعه من السجود وإن كان تعالى عالما بما منعه من السجود وما استفهامية تدلّ على التوبيخ كما قلنا وأنشدوا على زيادة لا قول الشاعر :
أفعنك لا برق كأنّ وميضه غاب يقسمه ضرام مثقب
وقول الآخر :
أبى جوده لا البخل واستعجلت به نعم من فتى لا يمنع الجود قائله
وأقول لا حجّة في البيت الأول إذ يحتمل أن لا تكون فيه لا زائدة لاحتمال أن تكون عاطفة وحذف المعطوف والتقدير أفعنك لا عن غيرك وأما البيت الثاني فقال الزّجاج لا مفعولة والبخل بدل منها، وقال أبو عمرو بن العلاء : الرواية فيه لا البخل بخفض اللام جعلها مضافة إلى البخل لأنّ لا قد ينطق بها ولا تكون للبخل انتهى. وقد خرّجته أنا تخريجا آخر وهو أن ينتصب البخل على أنه مفعول من أجله ولا مفعوله، وقال قوم : لا في أن لا تسجد ليست زائدة واختلفوا، فقيل يقدّر محذوف يصحّ معه المعنى وهو ما منعك فأحوجك أن لا تسجد، وقيل يحمل قوله ما منعك معنى يصحّ معه النفي، فقيل معنى ما منعك من أمرك ومن قال لك أن لا تسجد.
قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ هذا ليس بجواب مطابق للسؤال لكنه يتضمن الجواب إذ معناه منعني فضلي عليه لشرف عنصري على عنصره وهذا يقتضي عنده أنّ النار خير من الطين وإذا كان كذلك فالناشىء من الأفضل لا يسجد للمفضول، قالو : وذلك أنّ النار جسم مشرق علوي لطيف خفيف حار يابس مجاور لجواهر السّموات