البحر المحيط، ج ٥، ص : ١٩
من جنة عدن، وقال ابن عطية : أهبط أولا وأخرج من الجنة وصار في السماء لأنّ الأخبار تظافرت أنه أغوى آدم وحواء من خارج الجنة ثم أمر آخرا بالهبوط من السماء، مع آدم وحواء والحية وهذا كله بحسب ألفاظ القصة واللّه أعلم انتهى، وقيل : يعود على السماء، قال الزمخشري : فَاهْبِطْ مِنْها من السماء التي هي مكان المطيعين المتواضعين من الملائكة إلى الأرض التي هي مقرّ العاصين المتكبرين من الثقلين، وقيل : يعود على الأرض فكأنه كان له ملكها أمره أن يهبط منها إلى جزائر البحار فسلطانه فيها فلا يدخل الأرض إلا كهيئة السارق يخاف فيها حتى يخرج منها وهذا يحتاج إلى صحة نقل، وقيل : يعود على صورته التي كان فيها لأنه افتخر أنه من النار فشوهت صورته بالإظلام وزوال إشراقه قاله أبو روق، وقيل :
عائد على المدينة التي كان فيها ذكره الكرماني ويحتاج إلى تصحيح نقل، وقيل يعود على المنزلة والرّتبة الشريفة التي كان فيها في محل الاصطفاء والتقريب إلى محل الطّرد والتعذيب ومعنى فما يكون لك لا يصح لك أو لا يتم أو لا ينبغي بل التكبّر منهيّ عنه في كل موضع، وقيل : هو على حذف معطوف دلّ عليه المعنى التقدير فيها ولا في غيرها، وقيل المعنى ما للمتكبر أن يكون فيها وكرّر معنى الهبوط بقوله فَاخْرُجْ لأنّ الهبوط منها خروج ولكنه أخبر بصغاره وذلّته وهو أنه جزاء على تكبّره قوبل بالضدّ مما اتّصف به وهو الصغار الذي هو ضد التكبر والتكبر تفعل منه لأنه خلق كبيرا عظيما ولكنه هو الذي تعاطى الكبر ومن كلام عمر ومن تكبّر وعدا طوره رهصه اللّه إلى الأرض.
قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ هذا يدلّ على إقراره بالبعث وعلمه بأن آدم سيكون له ذرية ونسل يعمّرون الأرض ثم يموتون وإن منهم من ينظر فيكون طلبه الإنظار بأن يغويهم ويوسوس إليهم فالضمير في يُبْعَثُونَ عائد على ما دلّ عليه المعنى إذ ليس في اللفظ ما يعود عليه وحكمة استنظاره وإن كان ذلك سببا للغواية والفتنة إنّ في ذلك ابتلاء العباد بمخالفته وطواعيته وما يترتب على ذلك من إعظام الثّواب بالمخالفة وإدامة العقاب الطواعية وأجابه تعالى بأنه من المنظرين أي من المؤخرين ولم يأت هنا بغاية للانتظار وجاء مغيا في الحجر وفي ص بقوله إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ «١» ويأتي تفسيره في الحجر إن شاء اللّه، ومعنى من المنظرين من الطائفة التي تأخّرت أعمارها كثيرا حتى جاءت آجالها على اختلاف أوقاتها فقد شمل تلك الطائفة انظار وإن لم يكونوا أحياء مدة الدهر، وقيل من المنظرين جمع كثير مثل قوم يونس.