البحر المحيط، ج ٥، ص : ١٩٦
قال الإيمان قيد الفتك، وقال ابن زيد : الأغلال يريد في قوله غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ «١» فمن آمن زالت عنه الدعوة وتغليلها.
فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَعَزَّرُوهُ أثنوا عليه ومدحوه. قال الزمخشري : منعوه حتى لا يقوى عليه عدوّ، وقرأ الجحدري وقتادة وسليمان التيمي وعيسى بالتخفيف، وقرأ جعفر بن محمد وعزّزوه بزايين
والنُّورَ القرآن قاله قتادة، وقال ابن عطية : هو كناية عن جملة الشريعة.
وقيل مع بمعنى عليه أي الذي أنزل عليه. وقيل هو على حذف مضاف أي أنزل مع نبوته لأن استنباءه كان مصحوبا بالقرآن مشفوعا به وعلى هذين القولين يكون العامل في الظرف أُنْزِلَ ويجوز عندي أن كون معه ظرفا في موضع الحال فالعامل فيه محذوف تقديره أنزل كائنا معه وهي حال مقدّرة كقوله مررت برجل معه صقر صائدا به غدا فحالة الإنزال لم يكن معه لكنه صار معه بعد كما أنّ الصيد لم يكن وقت المرور، وقال الزمخشري : ويجوز أن يعلّق باتبعوا أي وَاتَّبَعُوا القرآن المنزل مع اتباع النبي صلى اللّه عليه وسلم والعمل بسنته وبما أمر به أي واتبعوا القرآن كما اتبعه مصاحبين له في اتباعه وفي قوله فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ إلى آخره إشارة إلى من آمن من أعيان بني إسرائيل بالرسول كعبد اللّه بن سلام وغيره من أهل الكتابين.
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ. لما ذكر تعالى لموسى عليه السلام صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم وأخبر أن من أدركه وآمن به أفلح أمر تعالى نبيه بإشهار دعوته ورسالته إلى الناس كافة والدعاء إلى الإيمان باللّه ورسوله وكلماته واتباعه ودعوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عامّة للإنس والجنّ قاله الحسن، وتقتضيه الأحاديث والَّذِي في موضع نصب على المدح أو رفع وأجاز الزمخشري أن يكون مجرورا صفة للّه قال وإن حيل بين الصفة والموصوف بقوله إِلَيْكُمْ، وقال أبو البقاء : ويبعد أن يكون صفة للّه أو بدلا منه لما فيه من الفصل بينهما بإليكم وبالحال وإليكم متعلّق برسول وجميعا حال من ضمير إِلَيْكُمْ وهذا الوصف يقتضي الإذعان والانقياد لمن أرسله إذ له الملك فهو المتصرف بما يريد وفي حصر الإلهية له نفي الشركة لأن من كان له ملك هذا العالم لا يمكن أن يشركه أحد فهو المختص بالإلهية وذكر الإحياء والإماتة إذ هما وصفان لا يقدر عليهما إلا اللّه وهما إشارة إلى الإيجاد لكلّ شيء يريده الإعدام والأحسن

(١) سورة المائدة : ٥/ ٦٤.


الصفحة التالية
Icon