البحر المحيط، ج ٥، ص : ٢١٩
اللّه تعالى ورسوله صلى اللّه عليه وسلم، وفي كلام العرب ونظيره قول اللّه عز وجل إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «١». فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ «٢». وقول الشاعر :
إذا قالت الانساع للبطن الحقي تقول له ريح الصّبا قرقار
ومعلوم أنه لا قول ثم وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى وأن تقولوا مفعول له أي فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشاهدة على صحتها العقول كراهة أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين لم ننبه عليه أو كراهة أن تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فاقتدينا بهم لأنّ نصب الأدلة على التوحيد وما نبهوا عليه قائم معهم فلا عذر لهم في الإعراض عنه والإقبال على التقليد والاقتداء بالآباء كما لا عذر لآبائهم في الشرك وأدلة التوحيد منصوبة لهم، (فإن قلت) : بنو آدم وذرياتهم من هم، قلت : عنى ببني آدم أسلاف اليهود الذين أشركوا باللّه تعالى حيث قالوا : عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ «٣» وبذرياتهم الذين كانوا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أخلافهم المقتدين بآبائهم والدليل على أنها في المشركين وأولادهم قوله تعالى : أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ والدليل على أنها في اليهود الآيات التي عطفت عليها هي والتي عطفت عليها وهي على نمطها وأسلوبها وذلك على قوله وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ «٤» وإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا انتهى كلام الزمخشري وهو بسط كلام من تقدمه، قال ابن عطية : قال قوم الآية مشيرة إلى هذا التأويل الذي في الدنيا وأخذ بمعنى أوجد وأن الاشهادين عند بلوغ المكلّف وهو قد أعطى الفهم ونصبت له الصفة الدالة على الصانع ونحالها الزجاج وهو معنى تحتمله الألفاظ انتهى، والقول بظاهر الحديث يطرق إلى القول بالتناسخ فيجب تأويله ومفعول أَخَذَ ذُرِّيَّتَهُمْ قاله الحوفي ويحتمل في قراءة الجميع أن يكون مفعول أَخَذَ محذوفا لفهم المعنى وذُرِّيَّتَهُمْ بدل من ضمير ظُهُورِهِمْ كما أنّ مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من قوله بَنِي آدَمَ والمفعول المحذوف هو
الميثاق كما قال : وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً «٥» وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ «٦»
(٢) سورة فصلت : ٤١/ ١١.
(٣) سورة التوبة : ٩/ ٣٠. [.....]
(٤) سورة الأعراف : ٧/ ١٦٣.
(٥) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٧.
(٦) سورة البقرة : ٢/ ٨٣.