البحر المحيط، ج ٥، ص : ٢٣
والخلف من جهة غدر ومخاتلة وجهالة القرن بمن يغتاله ويتطلب غرّته وغفلته وخصّ الأيمان والشمائل الحرف الذي يدل على المجاوزة لأنهما ليستا بأغلب ما يأتي منهما العدوّ وإنما يتجاوز إتيانه إلى الجهة التي هي أغلب في ذلك وقدمت الأيمان على الشمائل لأنها الجهة التي هي القوية في ملاقاة العدوّ، وبالأيمان البطش والدفع فالقرن الذي يأتي من جهتها أبسل وأشجع إذ جاء من الجهة التي هي أقوى في الدفع والشمائل جهة ليست في القوة والدفع كالأيمان.
وقال ابن عباس شاكرين موحدين وعنه وعن غيره مؤمنين لأنّ ابن آدم لا يشكر نعمة اللّه إلا بأن يؤمن، وقال مقاتل شاكرين لنعمتك، وقال الحسن : ثابتين على طاعتك ولا يشكرك إلا القليل منهم وهذه الجملة المنفية يحتمل أن تكون داخلة في خبر القسم معطوفة على جوابه ويحتمل أن تكون استئناف إخبار ليس مقسما عليه أخبر أنّ سعايته وإتيانه إيّاهم من جميع الوجوه يفعل ذلك وهو هذا الإخبار منه كان على سبيل التظني لقوله وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ «١» أو على سبيل العلم قولان وسبيل العلم إما رؤيته ذلك في اللوح المحفوظ أو استفادته من قوله وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ «٢» أو من الملائكة بإخبار اللّه لهم أو بقولهم أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها «٣» أو بإغواء آدم وذريته أضعف منه أو يكون قوى ابن آدم تسعة عشر قوة وهي خمس حواس ظاهرة وخمس باطنة والشهوة والغضب، وسبع سابقة وهي الجاذبة والممسكة والهاضمة والدّافعة والقاذفة والنامية والمولدة وكلها تدعو إلى عالم الجسم إلى اللذات البدنية، والعقل قوة واحدة تدعو إلى عبادة اللّه وتلك في أول الخلق والعقل إذ ذاك ضعيف أقوال ستة.
قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً الجمهور على أنّ الضمير عائد على الجنة والخلاف فيه كالخلاف في فَاهْبِطْ مِنْها وهذه ثلاث أوامر أمر بالهبوط مطلقا، وأمر بالخروج مخبرا أنه ذو صغار، وأمر بالخروج مقيدا بالذمّ والطرد، وقال قتادة : مَذْؤُماً لعينا، وقال الكلبي :
ملوما، وقال مجاهد : منفّيا، وقيل : ممقوتا ومَدْحُوراً مبعدا من رحمة اللّه أو من الخير أو من الجنة أو من التوفيق أو من خواصّ المؤمنين أقوال متقاربة، وقرأ الزهري وأبو جعفر والأعمش : مذوما بضم الذال من غير همز فتحتمل هذه القراءة وجهين أحدهما، وهو الأظهر، أن تكون من ذأم المهموز سهل الهمزة وحذفها وألقى حركتها على الذّال والثاني أن يكون من ذام غير المهموز يذيم كباع يبيع فأبدل الواو بياء كما قالوا في مكيل مكول،
(٢) سورة سبأ : ٣٤/ ١٣.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٣٠.