البحر المحيط، ج ٥، ص : ٢٤٤
أصلا مفرد وإن كان يجوز جمع أصيل على أصل فيكون جمعا ككثيب وكثب، وممن ذهب إلى أن آصالا جمع أصل ومفرد أصل أصيل الفرّاء ويقال : جئناهم موصلين أي عند الأصيل.
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها. مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تقدم سؤال الكفار عن الساعة ووقتها وكان فيهم من لا يؤمن بالبعث ذكر ابتداء خلق الإنسان وإنشائه تنبيها على أن الإعادة ممكنة، كما أن الإنشاء كان ممكنا وإذا كان إبرازه من العدم الصرف إلى الوجود واقعا بالفعل وإعادته أحرى أن تكون واقعة بالفعل، وقيل : وجه المناسبة أنه لما بين الذين يلحدون في أسمائه ويشتقون منها أسماء لآلهتهم وأصنامهم وأمر بالنظر والاستدلال المؤدي إلى تفرده بالإلهية والربوبية بين هنا أن أصل الشرك من إبليس لآدم وزوجته حين تمنيا الولد الصالح وأجاب اللّه دعاءهما فأدخل إبليس عليهما الشرك بقوله سمياه عبد الحرث فإنه لا يموت ففعلا ذلك، وقال أبو عبد اللّه الرازي ما ملخصه لما أمر بالنظر في الملكوت الدال على الوحدانية وقسم خلقه إلى مؤمن وكافر ونفى قدرة أحد من خلقه على نفع نفسه أو ضرّها رجع إلى تقرير التوحيد انتهى، والجمهور على أن المراد بقوله مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ آدم عليه السلام فالخطاب بخلقكم عام والمعنى أنكم تفرعتم من آدم عليه السلام وأن معنى وجعل منها زوجها هي حواء ومِنْها إما من جسم آدم من ضلع من أضلاعه وإما أن يكون من جنسها كما قال تعالى جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً «١» وقد مرّ هذان القولان في أول النساء مشروحين بأكثر من هذا ويكون الإخبار بعد هذه الجملة عن آدم وحواء ويأتي تفسيره إن شاء اللّه تعالى، وعلى هذا القول فسّر الزمخشري الآية وقد رد هذا القول أبو عبد اللّه الرازي وأفسده من وجوه. الأول فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ فدل على أن الذين أتوا بهذا الشرك جماعة.
الثاني أنه قال بعده أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وهذا ردّ على من جعل الأصنام شركاء ولم يجر لإبليس في هذه الآية ذكر، الثالث لو كان المراد إبليس لقال أيشركون من لا يخلق ثم ذكر الرازي ثلاثة وجوه أخر من جهة النظر يوقف عليها من كتابه.
وقال الحسن وجماعة الخطاب لجميع الخلق والمعنى في هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ من هيئة واحدة وشكل واحد وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها أي من جنسها ثم ذكر

(١) سورة النحل : ١٦/ ٧٢.


الصفحة التالية
Icon