البحر المحيط، ج ٥، ص : ٢٦
هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى «١» ومن الخالدين من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين.
وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ لم يكتف إبليس بالوسوسة وهو الإلقاء في خفية سرّا ولا بالقول حتى أقسم على أنه ناصح لهما والمقاسمة مفاعلة تقتضي المشاركة في الفعل فتقسم لصاحبك ويقسم لك تقول قاسمت فلانا خالفته وتقاسما تحالفا وأما هنا فمعنى وقاسمهما أقسم لهما لأنّ اليمين لم يشاركاه فيها. وهو كقول الشاعر :
وقاسمهما باللّه جهدا لأنتم ألذّ من السّلوى إذا ما نشورها
وفاعل قد يأتي بمعنى أفعل نحو باعدت الشيء وأبعدته، وقال ابن عطية وقاسمهما أي حلف لهما وهي مفاعلة إذ قبول المحلوف له وإقباله على معنى اليمين كالقسم وتقريره وإن كان بادي الرأي يعني أنها من واحد، وقال الزمخشري : كأنه قال لهما أقسم لكما أني لمن الناصحين وقالا له أتقسم باللّه إنك لمن الناصحين، فجعل ذلك مقاسمة بينهم أو أقسم لهما بالنصيحة وأقسما له بقبولها أو أخرج قسم إبليس على وزن المفاعلة لأنه اجتهد فيها اجتهاد المقاسم انتهى، وقرىء وقاسمهما باللّه ولَكُما متعلّق بمحذوف تقديره ناصح لكما أو أعني أو بالناصحين على أنّ أل موصولة وتسومح في الظرف والمجرور ما لا يتسامح في غير هما أو على أنّ أل لتعريف الجنس لا موصولة أوجه مقولة.
فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ أي استنزلهما إلى الأكل من الشجرة بغروره أي بخداعه إياهما وإظهار النّصح وإبطان الغش وإطماعهما أن يكونا ملكين أو خالدين وبإقسامه أنه ناصح لهما جعل من يغتّر بالكلام حتى يصدق فيقع في مصيبة بالذي يدلي من علو إلى أسفل بحبل ضعيف فينقطع به فيهلك، وقال الأزهري : لهذه الكلمة أصلان أحد هما أنّ الرجل يدلي دلوه في البئر ليأخذ الماء فلا يجد فيها ماء، وضعت التدلية موضع الطمع فيما لا فائدة فيه فيقال : دلّاه أي أطمعه الثاني جرأهما على أكل الشجرة والأصل فيه دللهما من الدّال والدّلالة وهما الجراءة انتهى، فأبدل من المضاعف الأخير حرف علة، كما قالوا : تظنيت وأصله تظننت ومن كلام بعض العلماء : خدع الشيطان آدم فانخدع ونحن من خدعنا باللّه عزّ وجل انخدعنا له وروي نحوه عن قتادة وعن ابن عمر.
فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أي وجدا طعمها آكلين منها كما قال تعالى فَأَكَلا مِنْها «٢» وتطايرت عنهما ملابس الجنة فظهرت لهما عوراتهما وتقدّم أنهما كانا قبل ذلك