البحر المحيط، ج ٥، ص : ٢٦٨
آيات أوّلها وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا «١» إلى آخر الآيات. وقال مقاتل غير آية واحدة وهي وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية نزلت في قصة وقعت بمكّة ويمكن أن تنزل الآية بالمدينة في ذلك ولا خلاف أنها نزلت في يوم بدر وأمر غنائمه وقد طول المفسرون الزمخشري وابن عطيّة وغيرهما في تعيين ما كان سبب نزول هذه الآيات وملخّصها : أنّ نفوس أهل بدر تنافرت ووقع فيها ما يقع في نفوس البشر من إرادة الأثرة والاختصاص، ونحن لا نسمي من أبلى ذلك اليوم فنزلت ورضي المسلمون وسلموا وأصلح اللّه ذات بينهم واختلف المفسّرون في المراد بالأنفال. فقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة وعطاء وابن زيد : يعني الغنائم مجملة قال عكرمة ومجاهد : كان هذا الحكم من اللّه لدفع الشغب ثم نسخ بقوله : وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ «٢» الآية. وقال أبو زيد لا نسخ إنما أخبر أنّ الغنائم للّه من حيث هي ملكه ورزقه وللرسول من حيث هو مبيّن لحكم اللّه والمضارع فيها ليقع التسليم فيها من الناس وحكم القسمة قاتل خلال ذلك، وقال ابن عباس أيضا : الْأَنْفالِ في الآية ما يعطيه الإمام لمن أراد من سيف أو فرس أو نحوه، وقال علي بن صالح وابن جني والحسن : الْأَنْفالِ في الآية الخمس، وقال ابن عباس وعطاء أيضا : الْأَنْفالِ في الآية ما شذّ من أموال المشركين إلى المسلمين كالفرس الغائر والعبد الآبق وهو للنبي صلى اللّه عليه وسلم يصنع فيه ما يشاء، وقال ابن عباس أيضا : الأنفال في الآية ما أصيب من أموال المشركين بعد قسمة الغنيمة.
وهذه الأقوال الأربعة مخالفة لما تظافرت عليه أسباب النزول المروية والجيّد هو القول الأول وهو الذي تظاهرت الروايات به، وقال الشعبي : الْأَنْفالِ الأسرى وهذا إنما هو منه على جهة المثال وقد طول ابن عطية وغيره في أحكام ما ينقله الإمام وحكم السّلب وموضوع ذلك كتب الفقه وضمير الفاعل في يَسْئَلُونَكَ ليس عائدا على مذكور قبله إنما يفسّره وقعة بدر، فهو عائد على من حضرها من الصحابة وكان السائل معلوم معين ذلك اليوم فعاد الضمير عليه والخطاب للرسول صلى اللّه عليه وسلم والسؤال قد يكون لاقتضاء معنى في نفس المسئول فيتعدى إذ ذاك بعن كما قال :
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم وقال تعالى : يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ «٣» يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ «٤» وكذا
(٢) سورة الأنفال : ٨/ ٤١.
(٣) سورة الأعراف : ٧/ ١٨٧.
(٤) سورة البقرة : ٢/ ٢١٧.