البحر المحيط، ج ٥، ص : ٢٧٦
وجادلوك في الحق بعد وضوحه نصرك اللّه وأمدّك بملائكته ودلّ على هذا المحذوف الكلام الذي بعده وهو قوله تعالى إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ الآيات، ويظهر أن الكاف في هذا التخريج المنامي ليست لمحض التشبيه بل فيها معنى التعليل، وقد نص النحويون على أنها قد تحدث فيها معنى التعليل وخرجوا عليه قوله تعالى : وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ «١» وأنشدوا :
لا تشتم الناس كما لا تشتم أي لانتفاء أن يشتمك الناس لا تشتمهم ومن الكلام الشائع على هذا المعنى كما تطيع اللّه يدخلك الجنة أي لأجل طاعتك اللّه يدخلك الجنة فكان المعنى إن خرجت لإعزاز دين اللّه وقتل أعدائه نصرك اللّه وأمدّك بالملائكة والواو في وَإِنَّ فَرِيقاً واو الحال والظاهر أن مِنْ بَيْتِكَ هو مقام سكناه وقيل المدينة لأنها مهاجره ومختصة به، وقيل مكة وفيه بعد لأن الظاهر أن هذا إخبار عن خروجه إلى بدر فصرفه إلى الخروج من مكة ليس بظاهر ومفعول لَكارِهُونَ هو الخروج أي لكارهون الخروج معك وكراهتهم ذلك إما لنفرة الطبع أو لأنهم لم يستنفروا أو العدول من العير إلى النفير لما في ذلك من قوّة أخذ الأموال ولما في هذا من القتل والقتال، أو لترك مكة وديارهم وأموالهم أقوال أربعة، والظاهر أن ضمير الرفع في يُجادِلُونَكَ عائد على فريق المؤمنين الكارهين وجدالهم قولهم ما كان خروجنا إلا للعير ولو عرفنا لاستعددنا للقتال والحق هنا نصرة دين الإسلام، وقيل الضمير يعود على المشركين وجدالهم في الحق هو في شريعة الإسلام.
وقرأ عبد اللّه بعد ما بين بضم الباء من غير تاء وفي قوله بَعْدَ ما تَبَيَّنَ إنكار عظيم عليهم لأنّ من جادل في شيء لم يتضح كان أخف عتبا أما من نازع في أمر واضح فهو جدير باللوم والإنكار ثم شبه حالهم في فرط فزعهم وهم يسار بهم إلى الظفر والغنيمة بحال من يساق على الصفا إلى الموت وهو مشاهد لأسبابه ناظر إليها لا يشك فيها، وقيل كان خوفهم لقلة العدد وأنهم كانوا رجالة، وروي أنه ما كان فيهم إلا فارسان وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر وكان المشركون في نحو ألف رجل وقصة بدر هذه مستوعبة في كتاب السير وقد لخص منها الزمخشري وابن عطية ما يوقف عليه في كتابيهما.