البحر المحيط، ج ٥، ص : ٢٧٩
ولم يعده بالباء كما عداه سيبويه والنحويون وزعم أن كلام العرب بخلاف ذلك وكلامه مسموع من كلام العرب فما جاء معدى بالباء قول الشاعر :
حتى استغاث بماء لا رشاء له من الأباطح في حاجاته البرك
مكلّل بأصول النبت تنسجه ريح حريق لضاحي مائه حبك
كما استغاث بشيء قبر عنطلة خاف العيون ولم ينظر به الحشك
وقرأ الجمهور أَنِّي بفتح أي بأني وعيسى بن عمرو رواها عن أبي عمرو وإني بكسرها على إضمار القول على مذهب البصريين أو على الحكاية باستجاب لإجرائه مجرى الفعل إذ سوى في معناه وتقدم الكلام في شرح استجاب. وقرأ الجمهور بِأَلْفٍ على التوحيد والجحدري بآلف على وزن أفلس وعنه وعن السدّي بالألف والجمع بين الأفراد والجمع أن يحمل الإفراد على من قاتل منهم أو على الوجوه الذين من سواهم اتباع لهم وقرأ نافع وجماعة من أهل المدينة وغيرهم مردفين بفتح الدال وباقي السبعة والحسن ومجاهد بكسرها أي متابعا بعضهم بعضا، وروي عن ابن عباس : خلف كلّ ملك ملك وراءه. وقرأ بعض المكيين فيما روى عنه الخليل بن أحمد وحكاه عن ابن عطية مُرْدِفِينَ بفتح الراء وكسر الدال مشددة أصله مرتدفين فأدغم وقال أبو الفضل الرازي وقد يجوز فتح الراء فرارا إلى أخفّ الحركات أو لثقل حركة التاء إلى الراء عند الإدغام ولا يعرف فيه أثرا انتهى وروي عن الخليل أنه يضمّ الراء اتباعا لحركة الميم كقولهم مخضم وقرىء كذلك إلا أنه بكسر الراء اتباعا لحركة الدال أو حرّكت بالكسر على أصل التقاء الساكنين.
قال ابن عطية : ويحسن مع هذه القراءة كسر الميم ولا أحفظه قراءة كقولهم مخضم، وتقدّم الكلام في عدد الملائكة وهل قاتلت أم لم تقاتل في آل عمران ولم تتعرض الآية لقتالهم والظاهر أن قراءة من قرأ مُرْدِفِينَ بسكون الراء وفتح الدال أنه صفة لقوله بِأَلْفٍ أي أردف بعضهم لبعض قال ابن عطية : ويحتمل أن يراد بالمردفين المؤمنين أي أردفوا بالملائكة فمردفين على هذا حال من الضمير قال الزمخشري وأردفته إياه إذا اتبعته ويقال أردفته كقولك اتبعته إذا جئت بعده فلا يخلو المكسور الدال أن يكون بمعنى متبعين أو متبعين فإن كان بمعنى متبعين فلا يخلو أن يكون بمعنى متبعين بعضهم بعضا أو متبعين بعضهم لبعض أو بمعنى متبعين إياهم المؤمنون أي يتقدمونهم فيتبعونهم أنفسهم أو متبعين لهم يشيعوهم ويقدمونهم بين أيديهم وهم على ساقتهم ليكونوا على أعينهم وحفظهم أو


الصفحة التالية
Icon