البحر المحيط، ج ٥، ص : ٢٨٨
تعالى لما شرع شرعا وأمر بأوامر وكذبوا بها وصدّوا تباعد ما بينهم وانفصل وانشق وعبّر المفسرون في قوله شاقّوا اللّه أي صاروا في شقّ غير شقّه.
مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
أجمعوا على الفكّ في شاقِقِ
اتباعا لخط المصحف وهي لغة الحجاز والإدغام لغة تميم كما جاء في الآية الأخرى وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ «١»، وقيل فيه حذف مضاف تقديره شاقّوا أولياء اللّه ونْ
شرطية والجواب إِنَ
وما بعدها والعائد على نْ
محذوف أي دِيدُ الْعِقابِ
له وتضمن وعيدا وتهديدا وبدأهم بعذاب الدنيا من القتل والأسر والاستيلاء عليهم.
ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ جمع بين العذابين عذاب الدنيا وهو المعجّل وعذاب الآخرة وهو المؤجّل والإشارة بذلكم إلى ما حلّ بهم من عذاب الدنيا والخطاب للمشاقّين ولما كان عذاب الدنيا بالنسبة إلى عذاب الآخرة يسيرا سمى ما أصابهم منه ذوقا لأنّ الذّوق يعرف به الطعم وهو يسير ليعرف به حال الطعم الكثير كما قال تعالى :
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ «٢» فما حصل لهم من العذاب في الدنيا كالذوق القليل بالنسبة إلى ما أعدّ لهم في الآخرة من العذاب العظيم وذلِكُمْ مرفوع إما على الابتداء والخبر محذوف أي ذلكم العقاب أو على الخبر والمبتدأ محذوف أي العقاب ذلكم وهما تقديران للزمخشري. وقال ابن عطية :
أي ذلكم الضّرب والقتل وما أوقع اللّه بهم يوم بدر فكأنه قال الأمر ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ انتهى. وهذا تقرير الزجاج.
وقال الزمخشري ويجوز أن يكون نصبا على عليكم ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ كقولك زيدا فاضربه انتهى، ولا يجوز هذا التقدير لأنّ عليكم من أسماء الأفعال وأسماء الأفعال لا تضمر وتشبيهه له بقولك زيدا فاضربه ليس بجيد لأنهم لم يقدروه بعليك زيدا فاضربه وإنما هذا منصوب على الاشتغال وقد أجاز بعضهم في ذلك أن يكون منصوبا على الاشتغال وقال بعضهم لا يجوز أن يكون ذلك مبتدأ أو فذوقوه خبرا لأنّ ما بعد الفاء لا يكون خبرا لمبتدأ إلا أن يكون المبتدأ اسما موصولا أو نكرة موصوفة نحو الذي يأتيني فله درهم وكل رجل في الدار فمكرم انتهى، وهذا الذي قاله صحيح ومسألة الاشتغال تنبني على صحة جواز أن يكون لِكَ
يصحّ فيه الابتداء إلا أن قولهم زيدا فاضربه وزيد فاضربه ليست الفاء هنا
(٢) سورة الواقعة : ٥٦/ ٥٣.