البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣٠
صعصعة وبني مدلج والحارث وعامر ابني عبد مناة نسائهم ورجالهم وأنزلنا قيل على حقيقته من الانحطاط من علو إلى سفل فأنزل مع آدم وحواء شيئا من اللباس مثالا لغيره ثم توسع بنو هما في الصّنعة استنباطا من ذلك المثال أو أنزل من السماء أصل كل شيء عند إهباطهما أو أنزل معه الحديد فاتخذ منه آلات الصنائع أو أنزل الملك فعلم آدم النسج أربعة أقوال، وقيل : الإنزال مجاز من إطلاق السّبب على مسببه فأنزل المطر وهو سبب ما يتهيأ منه اللباس أو بمعنى خلق كقوله وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ «١» أو بمعنى الهم، وقال الزمخشري جعل ما في الأرض منزلا من السماء لأنه قضى ثم وكتب ومنه وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ، وقال ابن عطية : أنزلنا يحتمل أن يريد بالتدريج أي لما أنزل المطر فكان عنه جميع ما يلبس قال عن اللباس أَنْزَلْنا وهذا نحو قول الشاعر يصف مطرا :
أقبل في المسلمين من سحابة أسنمة الآبال في ربابه
أي بالمال ويحتمل أن يريد خلقنا فجاءت العبارة بأنزلنا كقوله وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ «٢» وقوله وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ وأيضا فخلق اللّه وأفعاله إنما هي من علو في القدرة والمنزلة انتهى واللباس يعم جميع ما يلبس ويستر والرّيش عبارة عن سعة الرزق ورفاهية العيش ووجود اللبس والتمتع وأكثر أهل اللغة على أنّ الريش ما يستر من لباس أو معيشة، وقال قوم : الإناث، وقال ابن عباس والسدّي ومجاهد : المال، وقال ابن زيد : الجمال، وقال الزمخشري : لباس الزينة استعير من ريش الطائر لأنه لباسه وزينته أي أنزلنا عليكم لباسين لباسا يواري سوءاتكم ولباسا يزيّنكم لأنّ الزينة غرض صحيح كما قال تعالى : لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً ولَكُمْ فِيها جَمالٌ «٣» انتهي.
وعطف الريش على لِباساً يقتضي المغايرة وأنه قسيم للباس لا قسم منه، وقرأ عثمان وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسلمي
وعلي بن الحسين وابنه زيد وأبو رجاء وزر بن حبيش وعاصم في رواية وأبو عمرو في رواية ورياشا
، فقيل : هما مصدران بمعنى واحد راشه اللّه يريشه ريشا ورياشا أنعم عليه، وقال الزمخشري : جمع ريش كشعب وشعاب، وقال الزّجاج : هما اللباس، وقال الفرّاء : هما ما يستر من ثياب ومال كما يقال لبس ولباس، وقال معبد الجهني : الرياش المعاش، وقال ابن الأعرابي : الريش الأكل والشرب والرياش المال المستفاد، وقيل : الريش ما بطن والرياش ما ظهر.
(٢) سورة الحديد : ٥٧/ ٢٥.
(٣) سورة النحل : ١٦/ ٦.