البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣١٧
المؤمنين فلا يقع إلا عكس ما قصدوا وهو تندمهم وتحسّرهم على ذهاب أموالهم ثم غلبتهم الآخرة، وفي الآخرة فَسَيُنْفِقُونَها إلى آخره من الإخبار بالغيوب لأنه أخبر بما يكون قبل كونه ثم كان كما أخبر والإخبار بسين الاستقبال يدل على إنفاق متأخر عن وقعة أحد وبدر وأنّ ذلك إخبار عن علو الإسلام وغلبة أهله، وكذا وقع فتحوا البلاد ودوّخوا العباد وملأ الإسلام معظم أقطار الأرض واتسعت هذه الملة اتساعا لم يكن لشيء من الملل السابقة.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ هذا إخبار بما يؤول إليه حال الكفار في الآخرة من حشرهم إلى جهنم إذ أخبر بما آل إليه حالهم في الدنيا من حسرتهم وكونهم مغلوبين ومعنى قوله وَالَّذِينَ كَفَرُوا من وافى على الكفر وأعاد الظاهر لأنّ من أنفق ماله من الكفار أسلم منهم جماعة ولام لِيَمِيزَ متعلقة بقوله يُحْشَرُونَ، والْخَبِيثَ والطَّيِّبِ وصفان يصلحان للآدميين وللمال وتقدّم ذكرهما في قوله إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فمن المفسرين من تأوّل الْخَبِيثَ والطَّيِّبِ على الآدميين، فقال ابن عباس : لِيَمِيزَ أهل السعادة من أهل الشقاوة ونحوه، قال السدّي ومقاتل قالا : أراد المؤمن من الكفار وتحريره ليميز أهل الشقاوة من أهل السعادة والكافر من المؤمن، وقدّره الزمخشري : الفريق الخبيث من الكفار من الفريق الطيّب من المؤمنين، ومعنى جعل الخبيث بعضه على بعض وركمه ضمّه وجمعه حتى لا يفلت منهم أحد واحتمل الجعل أن يكون من باب التصيير ومن باب الإلقاء.
وقال ابن القشيري : لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ بتأخير عذاب كفار هذه الأمة إلى يوم القيامة ليستخرج المؤمنين من أصلاب الكفار انتهى، فعلى ما سبق يكون التمييز في الآخرة وعلى القول الأخير يكون في الدنيا ومن المفسرين من تأوّل الْخَبِيثَ والطَّيِّبِ على الأموال، فقال ابن سلام والزجاج : المعنى بالخبيث المال الذي أنفقه المشركون كمال أبي سفيان وأبي جهل وغيرهما المنفق في عداوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والإعانة عليه في الصد عن سبيل اللّه والطَّيِّبِ هو ما أنفقه المؤمنون في سبيل اللّه كمال أبي بكر وعمر وعثمان ولام لِيَمِيزَ على هذا متعلقة بقوله يُغْلَبُونَ قاله ابن عطية، وقال الزمخشري بقوله ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً والمعنى لِيَمِيزَ اللَّهُ الفرق بين الْخَبِيثَ والطَّيِّبِ فيخذل أهل الخبث وينصر أهل الطيب ويكون قوله فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ من


الصفحة التالية
Icon