البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣٣٣
أمرها وتشبيه بالريح وهبوبها، فقيل : هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة ونفذ أمره. ومنه قوله :
أتنظران قليلا ريث غفلتهم أم تعدوان فإنّ الريح للعادي
انتهى وهو قول أبي عبيدة إن الريح هي الدولة ومن استعارة الريح قول الآخر :
إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكلّ عاصفة سكونا
ورواه أبو عبيدة ركودا. وقال شاعر الأنصار :
قد عودتهم صباهم أن يكون لهم ريح القتال وأسلاب الذين لقوا
وقال زيد بن علي ويذهب ريحكم معناه الرّعب من قلوب عدوكم ومنه قيل للخائف انتفخ سحره. قال ابن عطية : وهذا حسن بشرط أن يعلم العدوّ بالتنازع فإذا لم يعلم فالذاهب قوة المتنازعين فينهزمون انتهى، وقال ابن زيد وغيره الريح على بابها وروي في ذلك أن النصر لم يكن قط إلا بريح تهب فتضرب في وجوه الكفار
واستند بعضهم في هذه المقالة إلى
قوله صلى اللّه عليه وسلم نصرت بالصبا
، وقال الحكم وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ يعني الصّبا إذ بها نصر محمد صلى اللّه عليه وسلم وأمته، وقال مقاتل رِيحُكُمْ حدتكم، وقال عطاء جلدكم، وحكى التبريزي هيبتكم، ومنه قول الشاعر :
كما حميناك يوم النّعف من شطط والفضل للقوم من ريح ومن عدد
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.
نزلت في أبي جهل وأصحابه خرجوا لنصرة العير بالقينات والمعازف ووردوا الجحفة فبعث خفاف الكناني وكان صديقا له بهدايا مع ابنه وقال : إن شئت أمددناك بالرجال وإن شئت بنفسي مع من خفّ من قومي، فقال أبو جهل : إن كنا نقاتل اللّه كما يزعم محمد فو اللّه ما لنا باللّه طاقة وإن كنا نقاتل الناس فو اللّه إن بنا على الناس لقوة واللّه، لا نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدرا فنشرب فيها الخمور وتعزف علينا القينات فإنّ بدرا مركز من مراكز العرب وسوق من أسواقهم حتى تسمع العرب مخرجنا فتهابنا آخر الأبد فوردوا بدرا فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القينات، فنبه اللّه المؤمنين أن يكون مثل هؤلاء بطرين طربين مرائين بأعمالهم صادين عن سبيل اللّه، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«اللهم إن قريشا أقبلت بفخرها وخيلائها تجادل وتكذب رسولك اللهم فاحثها الغداة»
وفي قوله وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وعيد وتهديد لمن بقي من الكفار.