البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣٧٣
قال الزمخشري :«كل مرصد» كل ممر ومجتاز ترصدونهم فيه، وانتصابه على الظرف كقوله : لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ «١» انتهى. وهذا الذي قاله الزجاج قال : كل مرصد ظرف، كقولك : ذهبت مذهبا ورده أبو علي، لأنّ المرصد المكان الذي يرصد فيه العدوّ، فهو مكان مخصوص لا يحذف الحرف منه إلا سماعا كما حكي سيبويه : دخلت البيت، وكما غسل الطريق الثعلب انتهى. وأقول : يصح انتصابه على الظرف، لأن قوله :
«واقعدوا لهم» ليس معناه حقيقة القعود، بل المعنى ارصدوهم في كل مكان يرصد فيه، ولما كان بهذا المعنى جاز قياسا أن يحذف منه في كما قال : وقد قعدوا منها كل مقعد.
فمتى كان العامل في الظرف المختص عاملا من لفظه أو من معناه، جاز أن يصل إليه بغير واسطة في، فيجوز جلست مجلس زيد، وقعدت مجلس زيد، تريد في مجلس زيد.
فكما يتعدى الفعل إلى المصدر من غير لفظه إذا كان بمعناه، فكذلك إلى الظرف. وقال الأخفش : معناه على كل مرصد، فحذف وأعمل الفعل، وحذف على، ووصول الفعل إلى مجرورها فتنصبه، يخصه أصحابنا بالشعر. وأنشدوا :
تحنّ فتبدي ما بها من صبابة وأخفى الذي لو لا الأسى لقضاني
أي لقضي عليّ.
فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي عن الكفر والغدر. والتوبة تتضمن الإيمان وترك ما كانوا فيه من المعاصي، ثم نبه على أعظم الشعائر الإسلامية، وذلك إقامة الصلاة وهي أفضل الأعمال البدنية، وإيتاء الزكاة وهي أفضل الأعمال المالية، وبهما تظهر القوة العملية، كما بالتوبة تظهر القوة العلمية عن الجهل. فخلوا سبيلهم، كناية عن الكف عنهم وإجرائهم مجرى المسلمين في تصرفاتهم حيث ما شاؤوا، ولا تتعرضوا لهم كقول الشاعر :
خل السبيل لمن يبنى المنار به أو يكون المعنى : فأطلقوهم من الأسر والحصر. والظاهر الأول، لشمول الحكم لمن كان مأسورا وغيره.
وقال ابن زيد : افترضت الصلاة والزكاة جميعا، وأبى اللّه أن لا تقبل الصلاة إلا