البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣٨٠
العهود من الكفرة إلى يوم القيامة دون تعيين، واقتضت حال كفار العرب ومحاربي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يكون الإشارة إليهم أولا بقوله : أئمة الكفر، وهم حصلوا حينئذ تحت اللفظة، إذ الذي يتولى قتال النبي صلى اللّه عليه وسلم والدفع في صدر شريعته هو إمام كل من يكفر بذلك الشرع إلى يوم القيامة، ثم يأتي في كل جيل من الكفار أئمة خاصة بجيل جيل انتهى.
وقيل : المراد بالعهد الإسلام، فمعناه كفروا بعد إسلامهم. ولذلك قرأ بعضهم : وإن نكثوا إيمانهم بالكسر، وهو قول الزمخشري، قال : فقاتلوا أئمة الكفر فقاتلوهم، فوضع أئمة الكفر موضع ضميرهم، إشعارا بأنهم إذا نكثوا في حالة الشرك تمردا وطغيانا وطرحا لعادات الكرام الأوفياء من العرب، ثم آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاروا إخوانا للمسلمين في الدين، ثم رجعوا فارتدوا عن الإسلام ونكثوا ما بايعوا عليه من الإيمان والوفاء بالعهد، وقعدوا يطعنون في دين اللّه تعالى ويقولون ليس دين محمد بشيء، فهم أئمة الكفر وذوو الرئاسة والتقدم فيه، لا يشق كافر غبارهم. والمشهور من مذهب مالك أنّ الذمي إذا طعن في الدين ففعل شيئا مثل تكذيب الشريعة والسب للنبي صلى اللّه عليه وسلم ونحوه قتل.
وقيل : إن أعلن بشيء مما هو معهود من معتقده وكفره أدب على الإعلان وترك، وإن كفر بما هو ليس من معتقده كالسب ونحوه قتل. وقال أبو حنيفة : يستتاب، واختلف إذا سب الذمي ثم أسلم تقية القتل. فالمشهور من مذهب مالك أنه يترك، لأن الإسلام يجبّ ما قبله، وفي العتبية أنه يقتل، ولا يكون أحسن حالا من المسلم.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو : بإبدال الهمزة الثانية ياء. وروي عن نافع مد الهمزة.
وقرأ باقي السبعة وابن أبي أويس عن نافع : بهمزتين، وأدخل هشام بينهما ألفا وأصله أأممة على وزن أفعلة جمع إمام، أدغموا الميم في الميم فنقلت حركتها إلى الهمزة قبلها. وقال الزمخشري :(فإن قلت) : كيف لفظ أئمة؟ (قلت) : همزة بعدها همزة بين بين، أي بين مخرج الهمزة والياء. وتحقيق الهمز هي قراءة مشهورة، وإن لم تكن مقبولة عند البصريين، وأما التصريح بالياء فليس بقراءة، ولا يجوز أن تكون. ومن صرح بها فهو لاحن محرف انتهى. وذلك دأبه في تلحين المقرءين. وكيف يكون ذلك لحنا وقد قرأ به رأس البصريين النحاة أبو عمرو بن العلاء، وقارئ مكة ابن كثير، وقارئ مدينة الرسول صلى اللّه عليه وسلم نافع، ونفى إيمانهم لما لم يثبتوا عليها ولا وفوا بها جعلوا لا أيمان لهم، أو يكون على حذف الوصف أي : لا أيمان لهم يوفون بها. وقرأ الجمهور : بفتح الهمزة. وقرأ الحسن، وعطاء، وزيد بن علي، وابن عامر : لا إيمان لهم أي لا إسلام ولا تصديق. قال أبو علي : وهذا غير قوي،