البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣٨٦
بذلك. وانتصب شاهدين على الحال، والمعنى : ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة متعبدات اللّه تعالى مع الكفر به وبعبادته.
وقرأ زيد بن علي : شاهدون على إضمارهم شاهدون، وشهادتهم على أنفسهم بالكفر قولهم في الطواف : لبيك لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. أو قولهم إذا سئلوا عن دينهم : نعبد اللات والعزى، أو تكذيبهم الرسول، أو قول المشرك : أنا مشرك كما يقول اليهودي : هو يهودي، والنصراني هو نصراني، والمجوسي هو مجوسي، والصابىء هو صابىء، أو ظهور أفعال الكفرة من نصب أصنامهم وطوافهم بالبيت عراة، وغير ذلك أقوال خمسة، هذا إذا حمل على أنفسهم على ظاهره، وقيل : معناه شاهدين على رسولهم، وأطلق عليه أنفسهم لأنه ما من بطن من بطون العرب إلا وله فيهم ولادة، ويؤيد هذا القول قراءة من قرأ على أنفسهم بفتح الفاء، أي أشرفهم وأجلهم قدرا.
أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ التي هي العمارة والحجابة والسقاية وفك العناة وغيرها مما ذكر أنه من الأعمال الحميدة. قال الزمخشري : وإذا هدم الكفر أو الكبيرة الأعمال الثابتة الصحيحة إذا تعقبها، فما ظنك بالمقارن؟ وإلى ذلك أشار تعالى بقوله :
شاهِدِينَ «١» حيث جعله حالا عنهم، ودل على أنهم قارنون بين العمارة والشهادة بالكفر على أنفسهم في حال واحدة، وذلك محال غير مستقيم انتهى. وقوله : أو الكبيرة، دسيسة اعتزال لأن الكبيرة عندهم من المعاصي تحبط الأعمال.
وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ ذكر مآل المشركين وهو النار خالدين فيها. وقرأ زيد بن علي : بالياء نصبا على الحال، وفي النار هو الخبر. كما تقول : في الدار زيد قاعدا. وقال الواحدي : دلت الآية على أنّ الكفار ممنوعون من عمارة مسجد المسلمين، ولو أوصى لم تقبل وصيته، ويمنع من دخول المساجد، فإن دخل بغير إذن مسلم استحق التعزير، وإن دخل بإذن لم يعزر، والأولى تعظم المساجد ومنعها منهم. وقد أنزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفد ثقيف وهم كفار المسجد، وربط ثمامة بن أثال الحنفي في سارية من سواري المسجد وهو كافر.
إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ