البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣٩٣
اليوم من قلة. والقائل قال ابن المسيب : هو أبو بكر، أو سلمة بن سلامة بن قريش، أو ابن عباس، أو رجل من بني بكر. ونقل أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ساءه كلام هذا القائل، ووكلوا إلى كلام الرجل.
والكثرة بفتح الكاف، ويجمع على كثرات. وتميم تكسر الكاف، وتجمع على كثر كشذرة وشذر، وكسرة وكسر، وهذه الكثرة عن ابن عباس ستة عشر ألفا، وعن النحاس أربعة عشر ألفا، وعن قتادة وابن زيد وابن إسحاق والواقدي : اثنا عشر ألفا، وعن مقاتل عن ابن عباس : أحد عشر ألفا وخمسمائة. والباء في بما رحبت للحال، وما مصدرية أي :
ضاقت بكم الأرض مع كونها رحبا واسعة لشدة الحال عليهم وصعوبتها كأنهم لا يجدون مكانا يستصلحونه للهرب والنجاة لفرط ما لحقهم من الرعب، فكانها ضاقت عليهم.
والرحب : السعة، وبفتح الراء الواسع. يقال : فلان رحب الصدر، وبلد رحب، وأرض رحبة، وقد رحبت رحبا ورحابة. وقرأ زيد بن علي : بما رحبت في الموضعين بسكون الحاء وهي لغة تميم، يسكنون ضمة فعل فيقولون في ظرف ظرف. ثم وليتم مدبرين أي :
وليتم فارين على أدباركم منهزمين تاركين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأسند التولي إلى جميعهم وهو واقع من أكثرهم، إذ ثبت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ناس من الأبطال على ما يأتي ذكره إن شاء اللّه، فيقول لما افتتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة كان في عشرة آلاف من أصحابه، وانضاف إليه الفان من الطلقاء فصاروا اثني عشر ألفا إلى ما انضاف إليهم من الأعراب من سليم، وبني كلاب، وعبس، وذبيان، وسمع بذلك كفار العرب فشق عليهم، فجمعت له هوزان وألفافها وعليهم مالك بن عوف النضري، وثقيف وعليهم عبد ياليل بن عمرو، وانضاف إليهم أخلاط من الناس حتى كانوا ثلاثين ألفا، فخرج إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد استعماله عتاب بن أسيد على مكة، حتى اجتمعوا بحنين، فلما تصاف الناس حمل المشركون من مجاني الوادي وكان قد كمنوا بها، فانهزم المسلمون.
قال قتادة : ويقال إنّ الطلقاء من أهل مكة فروا وقصدوا إلقاء الهزيمة في المسلمين، وبلغ فلهم مكة، وثبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مركزه على بغلة شهباء تسمى دلدل لا يتخلخل، والعباس قد اكتنفه آخذا بلجامها، وابن عمه أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب وابنه جعفر، وعلي بن أبي طالب، وربيعة بن الحرث، والفضل بن العباس، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد وهو أيمن ابن أم أيمن، وقتل بين يدي الرسول صلى اللّه عليه وسلم هؤلاء من أهل بيته، وثبت معه أبو بكر وعمر فكانوا عشرة رجال، ولهذا قال العباس :