البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣٩٩
هنا على بابها من الشرط. وقال عمرو بن قائد : المعنى وإذ خفتم كقولهم : إن كنت ابني فأطعني، أي : إذ كنت. وكون إن بمعنى إذ قول مرغوب عنه. وتقدّم سبب نزول هذه الآية وفضله تعالى. قال الضحاك : ما فتح عليهم من أخذ الجزية من أهل الذمة. وقال عكرمة :
أغناهم بادرار المطر عليهم، وأسلمت العرب فتمادى حجهم ونحرهم، وأغنى اللّه من فضله بالجهاد والظهور على الأمم، وعلق الإغناء بالمشيئة لأنه يقع في حق بعض دون بعض وفي وقت دون وقت. وقيل : لإجراء الحكم على الحكمة، فإن اقتضت الحكمة والمصلحة إغناءكم أغناكم. وقال القرطبي : إعلاما بأنّ الرزق لا يأتي بحيلة ولا اجتهاد، وإنما هو فضل اللّه. ويروى للشافعي :
لو كان بالحيل الغني لوجدتني بنجوم أقطار السماء تعلقي
لكن من رزق الحجا حرم الغنى ضدان مفترقان أي تفرق
ومن الدليل على القضاء وكونه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
إن اللّه عليم بأحوالكم حكيم لا يعطي ولا يمنع إلا عن حكمة. وقال ابن عباس :
عليم بما يصلحكم، حكيم فيما حكم في المشركين.
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ
نزلت حين أمر الرسول صلى اللّه عليه وسلم بغز والروم، وغزا بعد نزولها تبوك.
وقيل : نزلت في قريظة والنضير فصالحهم، وكانت أول جزية أصابها المسلمون، وأول ذلك أصاب أهل الكتاب بأيدي المسلمين نفي الإيمان باللّه عنهم، لأن سبيلهم سبيل من لا يؤمن باللّه، إذ يصفونه بما لا يليق أن يوصف به قاله الكرماني. وقال الزجاج : لأنهم جعلوا له ولدا وبدلوا كتابهم، وحرموا ما لم يحرم، وحللوا ما لم يحلل. وقال ابن عطية : لأنهم تركوا شرائع الإسلام الذي يجب عليهم الدخول فيه، فصار جميع ما لهم في البعث وفي اللّه من تخيلات واعتقادات لا معنى لها، إذ يلقونها من غير طريقها. وأيضا فلم تكن اعتقاداتهم مستقيمة، لأنهم شبهوا وقالوا : عزير ابن اللّه وثالث ثلاثة، وغير ذلك. ولهم أيضا في البعث آراء كثيرة في منازل الجنة من الرهبان. وقول اليهود في النار يكون فيها أياما انتهى. وفي الغيبان نفي عنهم الإيمان لأنهم مجسمة، والمؤمن لا يجسم انتهى. والمنقول عن اليهود والنصارى إنكار البعث الجسماني، فكأنهم يعتقدون البعث الروحاني ما حرم اللّه في كتابه ورسوله في