البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٠
يحتمل التعليل من حيث المعنى، وقال الزمخشري : أي تولّوهم بالطاعة فيما أمروهم به وهذا دليل على أنّ علم اللّه تعالى لا أثر له في ضلالهم وأنهم هم الضالون باختيارهم وتوليهم الشياطين دون اللّه تعالى انتهى، وهو على طريقة الاعتزال.
يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ كان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراة وكانوا لا يأكلون في أيام حجهم دسما ولا ينالون من الطعام إلّا قوتا تعظيما لحجهم فنزلت، وقيل : كان أحدهم يطوف عريانا ويدع ثيابه وراء المسجد وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه لأنهم قالوا لا نعبد اللّه في ثياب أذنبنا فيها، وقيل : تفاؤلا ليتعرّوا من الذنوب كما تعروا من الثياب. والزينة فعلة من التزين وهو اسم ما يتجمل به من ثياب وغيرها كقوله وَازَّيَّنَتْ «١» أي بالنبات والزينة هنا المأمور بأخذها هو ما يستر العورة في الصلاة قاله مجاهد والسدّي والزجاج، وقال طاوس الشملة من الزّينة، وقال مجاهد : ما وارى عورتك ولو عباءة فهو زينة. وقيل ما يستر العورة في الطّواف، وفي صحيح مسلم عن عروة أنّ العرب كانت تطوف عراة إلا الخمس وهم قريش إلّا أن تعطيهم الخمس ثيابا فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء وفي غير مسلم :
من لم يكن له صديق بمكة يعيره ثوبا طاف عريانا أو في ثيابه وألقاها بعد فلا يمسّها أحد ويسمّى اللقاء. وقال بعضهم :
كفى حزنا كرى عليه كأنه لقي بين أيدي الطائفين حريم
وكانت المرأة تنشد وهي تطوف عريانة :
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحلّه
فلما بعث اللّه رسوله صلى اللّه عليه وسلم وأنزل عليه يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ أذّن مؤذّن الرسول ألا لا يحجّ البيت بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان
وكان النداء بمكة سنة تسع، وقال عطاء وأبو روق : تسريح اللحى وتنويرها بالمشط والترجيل، وقيل : التزين بأجمل اللباس في الجمع والأعياد ذكره الماوردي، وقيل : رفع اليدين في تكبيرة الإحرام والرّكوع والرفع منه، وقيل إقامة الصلاة في الجماعة بالمساجد وكان ذلك زينة لهم لما في الصلاة من حسن الهيئة ومشابهة صفوف الملائكة ولما فيها من إظهار الإلفة وإقامة شعائر الدين، وقيل : ليس النّعال في الصلاة وفيه حديث عن أبي هريرة، وقال ابن عطيّة : وما أحسبه يصحّ، وقال أيضا : الزّينة هنا الثّياب الساترة ويدخل فيها ما كان من الطيّب للجمعة والسّواك وبدل الثياب وكل ما أوجد استحسانه في الشّريعة ولم يقصد به الخيلاء.

(١) سورة يونس : ١٠/ ٢٤.


الصفحة التالية
Icon