البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٠٤
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣١ إلى ٣٣]
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ تعدت اتخذ هنا المفعولين، والضمير عائد على اليهود والنصارى. قال حذيفة : لم يعبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأحلوه، وحرموا عليهم الحلال فحرموه، وقد جاء هذا مرفوعا في الترمذي إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم من حديث عدي بن حاتم. وقيل : كانوا يسجدون لهم كما يسجدون للّه، والسجود لا يكون إلا للّه، فأطلق عليهم ذلك مجازا. وقيل : علم سبحانه أنهم يعتقدون الحلول، وأنه سبحانه تجلى في بواطنهم فيسجدون له معتقدين أنه للّه الذي حل فيهم وتجلى في سرائرهم، فهؤلاء اتخذوهم أربابا حقيقة. ومذهب الحلول فشا في هذه الأمة كثيرا، وقالوا بالاتحاد. وأكثر ما فشا في مشائخ الصوفية والفقراء في وقتنا هذا، وقد رأيت منهم جماعة يزعمون أنهم أكابر. وحكى أبو عبد اللّه الرازي أنه كان فاشيا في زمانه، حكاه في تفسيره عن بعض المروزيين كان يقول لأصحابه : أنتم عبيدي، وإذا خلا ببعض الحمقا من أتباعه ادعى الإلهية. وإذا كان هذا مشاهدا في هذه الأمة، فكيف يبعد ثبوته في الأمم السابقة انتهى! وهو منقول من كتاب التحرير والتحبير، وقد صنف شيخنا المحدث المتصوّف قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن القسطلاني كتابا في هذه الطائفة، فذكر فيهم الحسين بن منصور الحلاج، وأبا عبد اللّه الشوذي كان بتلمسان، وابراهيم بن يوسف بن محمد بن دهان عرف بابن المرأة، وأبا عبد اللّه بن أحلى المتأمر بلورقة، وأبا عبد اللّه بن العربي الطائي، وعمر بن علي بن الفارض، وعبد الحق بن سبعين، وأبا الحسن الششتري من أصحابه، وابن مطرف الأعمى من أصحاب ابن أحلى، والصفيفير من أصحابه أيضا، والعفيف التلمساني. وذكر في كتابه من أحوالهم وكلامهم وأشعارهم ما يدل على هذا المذهب.
وقال السلطان أبو عبد اللّه بن الأحمر ملك الأندلس الصفيفير بغرناطة وأنابها، وقد رأيت العفيف الكوفي وأنشدني من شعره، وكان يتكتم هذا المذهب.
وكان بو عبد اللّه الأيكي شيخ خانكاه سعيد السعداء مخالطا له خلطة كثيرة، وكان متهما بهذا المذهب، وخرج التلمساني من القاهرة هاربا إلى الشام من القتل على الزندقة. وأما ملوك العبيدتين بالمغرب ومصر فإن أتباعهم يعتقدون فيهم الإلهية، وأولهم عبيد اللّه


الصفحة التالية
Icon