البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤١٢
عن الفتنة، لأنّ الإعراض اختيار للأفضل والأدخل في الورع والزهد في الدنيا، والاقتناء مباح موسع لا يذم صاحبه، وما روي عن عليّ كلام في الأفضل.
وقرأ أبو السمال ويحيى بن يعمر : يكنزون بضم الياء، وخص بالذكر الذهب والفضة من بين سائر الأموال لأنهما قيم الأموال وأثمانها، وهما لا يكنزان إلا عن فضلة وعن كثرة، ومن كنزهما لم يعدم سائر أجناس الأموال، وكنزهما يدل على ما سواهما. والضمير في :
ولا ينفقونها، عائد على الذهب، لأن تأنيثه أشهر، أو على الفضة. وحذف المعطوف في هذين القولين أو عليهما باعتبار أن تحتهما أنواعا، فروعي المعنى كقوله : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا «١» أو لأنهما محتويان على جمع دنانير ودراهم، أو على المكنوزات، لدلالة يكنزون. أو على الأموال، أو على النفقة وهي المصدر الدال عليه. ولا ينفقونها، أو على الزكاة أي : ولا ينفقون زكاة الأموال أقوال. وقال كثير من المفسرين : عاد على أحدهما كقوله : وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً «٢» وليس مثله، لأن هذا عطف بأو، فحكمهما أنّ الضمير يعود على أحد المتعاطفين بخلاف الواو، إلا أن ادّعى أنّ الواو في والفضة بمعنى أو ليمكن، وهو خلاف الظاهر.
يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ يقال : حميت الحديدة في النار أي أوقدت عليها لتحمى، وتقول : أحميتها أدخلتها لكي تحمى أيضا فحميت. وقرأ الجمهور : يوم يحمى عليها بالياء، أصله يحمى النار عليها، فلما حذف المفعول الذي لم يسم فاعله، وأسند الفعل إلى الجملة والمجرور، لم تلحق التاء كما تقول : رفعت القصة إلى الأمير. وإذا حذفت القصة وقام الجار والمجرور مقامها قلت : رفع إلى الأمير، ويدل على أنّ ذلك في الأصل مسند إلى النار، قراءة الحسن وابن عامر في رواية تحمى بالتاء. وقيل : من قرأ بالياء، فالمعنى : يحمى الوقود. ومن قرأ بالتاء فالمعنى : تحمى النار. والناصب ليوم أليم أو مضمر يفسره عذاب أي : يعذبون يوم يحمى. وقرأ أبو حيوة : فيكوى بالياء، لما كان ما أسند إليه ليس تأنيثه حقيقيا، ووقع الفصل أيضا ذكر، وأدغم قوم جباههم وهي مروية عن أبي عمر وذلك في الإدغام الكبير، كما أدغم مناسككم وما سلككم، وخصت هذه المواضع بالكي. قيل : لأنه في الجهة أشنع، وفي الجنب والظهر أوجع. وقيل : لأنها
(٢) سورة الجمعة : ٦٢/ ١١.