البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٢١
لا يترتب على المستقبل، فالذي يظهر الوجه الأول. ومعنى إخراج الذين كفروا إياه : فعلهم به ما يؤدي إلى الخروج، والإشارة إلى خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة إلى المدينة. ونسب الإخراج إليهم مجازا، كما نسب في قوله : الَّتِي أَخْرَجَتْكَ «١» وقصة خروج الرسول صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر مذكورة في السير. وانتصب ثاني اثنين على الحال أي : أحد اثنين وهما :
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأبو بكر رضي اللّه عنه.
وروي أنه لما أمر بالخروج قال لجبريل عليه السلام :«من يخرج معي؟» قال : أبو بكر.
وقال الليث : ما صحب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل أبي بكر. وقال سفيان بن عيينة : خرج أبو بكر بهذه الآية من المعاتبة التي في قوله : ألا تنصروه. قال ابن عطية : بل خرج منها كل من شاهد غزوة تبوك، وإنما المعاتبة لمن تخلف فقط، وهذه الآية منوهة بقدر أبي بكر وتقدمه وسابقته في الإسلام. وفي هذه الآية ترغيبهم في الجهاد ونصرة دين اللّه، إذ بين فيها أنّ اللّه ينصره كما نصره، إذ كان في الغار وليس معه فيه أحد سوى أبي بكر.
وقرأت فرقة : ثاني اثنين بسكون ياء ثاني. قال ابن جني : حكاها أبو عمرو، ووجهه أنه سكن الياء تشبيها لها بالألف. والغار : نقب في أعلى ثور، وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة، مكث فيه ثلاثا. إذ هما : بدل. وإذ يقول : بدل ثان. وقال العلماء : من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر لإنكاره كلام اللّه تعالى، وليس ذلك لسائر الصحابة.
وكان سبب حزن أبي بكر خوفه على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنهاه الرسول تسكينا لقلبه، وأخبره بقوله : إن اللّه معنا، يعني : بالمعونة والنصر. وقال أبو بكر : يا رسول اللّه إن قتلت فأنا رجل واحد، وإن قتلت هلكت الأمة وذهب دين اللّه، فقال صلى اللّه عليه وسلم :«ما ظنك باثنين اللّه ثالثهما؟» وقال أبو بكر رضي اللّه عنه :
قال النبي ولم يجزع يوقرني ونحن في سدف من ظلمة الغار
لا تخش شيئا فإن اللّه ثالثنا وقد تكفل لي منه بإظهار
وإنما كيد من تخشى بوارده كيد الشياطين قد كادت لكفار
واللّه مهلكهم طرا بما صنعوا وجاعل المنتهى منهم إلى النار
فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قال ابن عباس : السكينة الرحمة. وقال قتادة في

(١) سورة محمد : ٤٧/ ١٣.


الصفحة التالية
Icon