البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٢٤
دعوا إليه غنما قريبا سهل المنال، وسفرا قاصدا وسطا مقاربا. وهذه الآية في قصة تبوك حين استنفر المؤمنين فنفروا، واعتذر منهم فريق لأصحابه، لا سيما من القبائل المجاورة للمدينة. وليس قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ «١» خطابا للمنافقين خاصة، بل هو عام. واعتذر المنافقون بأعذار كاذبة، فابتدأ تعالى بذكر المنافقين وكشف ضمائرهم.
لا تبعوك : لبادروا إليه، لا لوجه اللّه، ولا لظهور كلمته، ولكن بعدت عليهم الشقة أي :
المسافة الطويلة في غزو الرّوم. والشّقة بالضم من الثياب، والشقة أيضا السفر البعيد، وربما قالوه بالكسر قاله : الجوهري. وقال الزجاج : الشقة الغاية التي تقصد. وقال ابن عيسى : الشقة القطعة من الأرض يشق ركوبها. وقال ابن فارس : الشقة المسير إلى أرض بعيدة، واشتقاقها من الشق، أو من المشقة. وقرأ عيسى بن عمر : بعدت عليهم الشّقة بكسر العين والشين، وافقه الأعرج في بعدت. وقال أبو حاتم : إنها لغة بني تميم في اللفظين انتهى. وحكى الكسائي : شقة وشقة. وسيحلفون : أي المنافقون، وهذا إخبار بغيب. قال الزمخشري في قوله : وسيحلفون باللّه، ما نصه باللّه متعلق بسيحلفون، أو هو من كلامهم. والقول مراد في الوجهين أي : سيحلفون متخلصين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين، يقولون باللّه لو استطعنا لخرجنا معكم، أو وسيحلفون باللّه يقولون لو استطعنا. وقوله : لخرجنا سدّ مسدّ جواب القسم. ولو جميعا والإخبار بما سوف يكون بعد القول من حلفهم واعتذارهم، وقد كان من جملة المعجزات. ومعنى الاستطاعة استطاعة العدة، واستطاعة الأبدان، كأنهم تمارضوا انتهى. وما ذهب إليه من أنّ قوله : لخرجنا، سدّ مسدّ جواب القسم. ولو جميعا ليس بجيد، بل للنحويين في هذا مذهبان : أحدهما : إن لخرجنا هو جواب القسم، وجواب لو محذوف على قاعدة اجتماع القسم والشرط إذا تقدم القسم على الشرط، وهذا اختيار أبي الحسن بن عصفور. والآخران لخرجنا هو جواب لو، وجواب القسم هو لو وجوابها، وهذا اختيار ابن مالك. إن لخرجنا يسد مسدهما، فلا أعلم أحدا ذهب إلى ذلك. ويحتمل أن يتأوّل كلامه على أنه لما حذف جواب لو، ودل عليه جواب القسم جعل، كأنه سدّ مسدّ جواب القسم وجواب لو جميعا.
وقرأ الأعمش وزيد بن علي : لو استطعنا بضم الواو، فرّ من ثقل الكسرة على الواو وشبهها بواو الجمع عند تحريكها لالتقاء الساكنين. وقرأ الحسن : بفتحها كما جاء :

(١) سورة التوبة : ٩/ ٣٨.


الصفحة التالية
Icon