البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٣١
أحد بأصحابه. ومعنى من قبل أي : من قبل هذه الغزاة، وذلك ما كان من حالهم وقت هجرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورجوعهم عنه في أحد وغيرها. وتقليب الأمور : هو تدبيرها ظهر البطن، والنظر في نواحيها وأقسامها، والسعي بكل حيلة. وقيل : طلب المكيدة من قولهم :
هو حول قلب. وقرأ مسلمة بن محارب : وقلبوا بتخفيف اللام. حتى جاء الحق أي : القرآن وشريعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم. ولفظة جاء مشعرة بأنه كان قد ذهب. وظهر أمر اللّه وصفه بالظهور لأنه كان كالمستور أي : غلب وعلا دين اللّه. وهم كارهون لمجيء الحق وظهور دين اللّه. وفي ذلك تنبيه على أنه لا تأثير لمكرهم وكيدهم، ومبالغتهم في إثارة الشر فإنهم مذ راموا ذلك رده اللّه في نحرهم، وقلب مرادهم، وأتى بضد مقصودهم، فكما كان ذلك في الماضي كذا يكون في المستقبل.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ :
نزلت في الجد بن قيس، وذكر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما أمر بالغزو إلى بلاد الروم حرض الناس فقال للجد بن قيس :«هل لك العام في جلاد بني الأصفر» وقال له وللناس :
«اغزوا تغنموا بنات الأصفر».
فقال الجد : ائذن لي في التخلف ولا تفتني بكر بنات الأصفر، فقد علم قومي أني لا أتمالك عن النساء إذا رأيتهن وتفتني، ولا تفتني بالنساء.
هو قول ابن عباس ومجاهد وابن زيد. وقيل : ولا تفتني أي ولا تصعب عليّ حتى احتاج إلى مواقعة معصيتك فسهّل أنت عليّ، ودعني غير مختلج. وقال قريبا منه الحسن وقتادة والزجاج قالوا : لا تكسبني الإثم بأمرك إياي بالخروج وهو غير متيسر لي، فآثم بمخالفتك.
وقال الضحاك : لا تكفرني بإلزامك الخروج معك. وقال ابن بحر : لا تصرفني عن شغلي فتفوت عليّ مصالحي ويذهب أكثر ثماري. وقيل : ولا تفتني في الهلكة، فإني إذا خرجت معك هلك مالي وعيالي. وقيل : إنه قال : ولكن أعينك بمالي. ومتعلق الإذن محذوف تقديره : في القعود وفي مجاورته الرسول صلى اللّه عليه وسلم على نفاقه. وقرأ ورش : بتخفيف همزة إئذن لي بإبدالها واوا لضمة ما قبلها. وقال النحاس ما معناه : إذا دخلت الواو أو الفاء على أأئذن، فهجاؤها في الخط ألف وذال ونون بغير ياء، أو ثم فالهجاء ألف وياء وذال ونون، والفرق أنّ ثم يوقف عليها وتنفصل بخلافهما. وقرأ عيسى بن عمرو : لا تفتني بضم التاء الأولى من أفتن. قال أبو حاتم هي لغة تميم، وهي أيضا قراءة ابن السميفع، ونسبها ابن مجاهد إلى إسماعيل المكي. وجمع الشاعر بين اللغتين فقال :
لئن فتنتني فهي بالأمس أفتنت سعيدا فأمسى قد قلا كل مسلم


الصفحة التالية
Icon