البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٥٣
ورسوله وصحة دينه أن يكون محادا لهما وليس ببعيد، فإنه إذا استحكم الحسد نازع الحاسد في المحسوسات. وقيل : هو حذر أظهروه على وجه الاستهزاء حين رأوا الرسول يذكر أشياء وأنها عن الوحي وكانوا يكذبون بذلك، فأخبر اللّه رسوله بذلك، وأعلم أنه مظهر سرهم، ويدل عليه قوله : قل استهزؤوا. وقال الزجاج وغيره ممن ذهب إلى التحرز من أن يكون كفرهم عنادا : هو مضارع في معنى الأمر أي : ليحذر المنافقون، ويبعده مخرج ما تحذرون، وأن تنزل مفعول يحذر، وهو متعد. قال الشاعر :
حذر أمورا لا تضرّ وآمن ما ليس ينجيه من الأقدار
وقال تعالى : وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ «١» لما كان قبل التضعيف متعديا إلى واحد، عداه بالتضعيف إلى اثنين. وقال المبرد : حذر إنما هي من هيئات الأنفس التي لا تتعدى مثل فزع، والتقدير : يحذر المنافقون من أن تنزل، ولا يلزم ذلك : ألا ترى أنّ خاف من هيئات النفس وتتعدى؟ والظاهر أن قوله عليهم : وتنبئهم، الضمير أنّ فيهما عائدان على المنافقين، وجاء عليهم لأنّ السورة إذا نزلت في معناهم فهي نازلة عليهم قاله : الكرماني، والزمخشري. قال الكرماني : ويحتمل أنه من قولك : هذا عليك لا لك.
ومعنى تنبئهم بما في قلوبهم : تذيع أسرارهم حتى يسمعوها مذاعة منتشرة، فكأنها تخبرهم بها. وقال الزمخشري : والضمير في عليهم وتنبئهم للمؤمنين، وفي قلوبهم للمنافقين، وصح ذلك لأنّ المعنى يعود إليه انتهى. والأمر بالاستهزاء أمر تهديد ووعيد كقوله : اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ «٢» ومعنى مخرج ما تحذرون مبرز إلى حيز الوجود، ما تحذرونه من إنزال السورة، أو مظهر ما كنتم تحذرونه من إظهار نفاقكم. وفعل ذلك تعالى في هذه السورة فهي تسمى الفاضحة، لأنها فضحت المنافقين. قيل : كانوا سبعين رجلا أنزل اللّه أسماءهم وأسماء آبائهم في القرآن، ثم رفع ذلك ونسخ رحمة ورأفة منه على خلقه، لأن أبناءهم كانوا مسلمين.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ : أي : ولئن سألتهم عما قالوا من القبيح في حقك وحق أصحابك من قول بعضهم : انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتتح قصور الشام، وقول بعضهم : كأنكم غدا في الجبال أسرى لبني الأصفر، وقول بعضهم : ما رأيت كهؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكثر

(١) سورة آل عمران : ٣/ ٢٨.
(٢) سورة فصلت : ٤١/ ٤٠.


الصفحة التالية
Icon