البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٨٢
الكافرين. ويكون الضمير في منهم عائدا على الأعراب، أو يكون المعنى : سيصيب الذين يوافون على الكفر من هؤلاء عذاب أليم في الدنيا بالقتل والسبي، وفي الآخرة بالنار. وقرأ الجمهور : كذبوا بالتخفيف أي : في إيمانهم فأظهروا ضد ما أخفوه. وقرأ أبيّ والحسن في المشهور عنه : ونوح وإسماعيل كذبوا بالتشديد أي لم يصدقوه تعالى ولا رسوله، وردوا عليه أمره والتشديد أبلغ في الذم.
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ : لما ذكر حال من تخلف عن الجهاد مع القدرة عليه، ذكر حال من له عذر في تركه. والضعفاء جمع ضعيف وهو الهرم، ومن خلق في أصل البنية شديد المخافة والضؤولة، بحيث لا يمكنه الجهاد. والمريض من عرض له المرض، أو كان زمنا ويدخل فيه العمى والعرج. والذين لا يجدون ما ينفقون هم الفقراء. قيل : هم مزينة وجهينة وبنو عذرة، ونفى الحرج عنهم في التخلف عن الغزو، ونفي الحرج لا يتضمن المنع من الخروج إلى الغزو، فلو خرج أحد هؤلاء ليعين المجاهدين بما يقدر عليه من حفظ متاعهم أو تكثير سوادهم ولا يكون كلّا عليهم، كان له في ذلك ثواب جزيل.
فقد كان عمرو بن الجموح أعرج وهو من أتقياء الأنصار، وهو في أول الجيش، وقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«إن اللّه قد عذرك» فقال : واللّه لأحفرن بعرجتي هذه في الجنة.
وكان ابن أم مكتوم أعمى، فخرج إلى أحد وطلب أن يعطى اللواء فأخذه، فأصيبت يده التي فيها اللواء فأمسكه باليد الأخرى، فضربت فأمسكه بصدره. وقرأ : وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ «١» وشرط في انتفاء الحرج النصح للّه ورسوله، وهو أن يكون نياتهم وأقوالهم سرا وجهرا خالصة للّه من الغش، ساعية في إيصال الخير للمؤمنين، داعية لهم بالنصر والتمكين.
ففي سنن أبي داود «لقد تركتم بعدكم قوما ما سرتم مسيرا ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديا إلا هم معكم فيه» قالوا : يا رسول اللّه وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال :«حبسهم العذر».
وقرأ أبو حيوة : إذا نصحوا اللّه ورسوله بنصب الجلالة، والمعطوف ما على المحسنين من سبيل أي : من لائمة تناط بهم أو عقوبة. ولفظ المحسنين عام يندرج فيه