البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٨٩
اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ : أثبت في حق المنافقين ما نفاه في حق المحسنين، فدل لأجل المقابلة أنّ هؤلاء مسيئون، وأي إساءة أعظم من النفاق والتخلف عن الجهاد والرغبة بأنفسهم عن رسول اللّه، وليست إنما للحصر، إنما هي للمبالغة في التوكيد، والمعنى :
إنما السبيل في اللائمة والعقوبة والإثم على الذين يستأذنونك في التخلف عن الجهاد وهم قادرون عليه لغناهم، وكان خبر السبيل على وإن كان قد فصل بإلى كما قالت :
هل من سبيل إلى خمر فاشربها أم من سبيل إلى نصر بن حجاج
لأنّ على تدل على الاستعلاء وقلة منعة من دخلت عليه، ففرق بين لا سبيل لي على زيد، ولا سبيل لي إلى زيد. وهذه الآية في المنافقين المتقدم ذكرهم : عبد اللّه بن أبي، والجد بن قيس، ومعتب بن قشير، وغيرهم. ورضوا : استئناف كأنه قيل : ما بالهم استأذنوا في القعود بالمدينة وهم قادرون على الجهاد، فقيل : رضوا بالدناءة وانتظامهم في سلك الخوالف.
وعطف وطبع تنبيها على أنّ السبب في تخلفهم رضاهم بالدناءة، وطبع على قلوبهم فهم لا يعلمون ما يترتب على الجهاد من منافع الدين والدنيا.
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : لن نؤمن لكم علة للنهي عن الاعتذار، لأنّ عرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به، فإذا علم أنه مكذب في اعتذاره كفّ عنه. قد نبأنا اللّه من أخباركم علة لانتفاء التصديق، لأنه تعالى إذا أخبر الرسول والمؤمنين بما انطوت عليه سرائرهم من الشر والفساد، لم يمكن تصديقهم في معاذيرهم. قال ابن عطية : والإشارة بقوله : قد نبأ اللّه من أخباركم إلى قوله : ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم، ونحو هذا. ونبأ هنا تعدّت إلى مفعولين كعرف، نحو قوله : من أنبأك هذا؟ والثاني هو من أخباركم أي : جملة من أخباركم، وعلى رأى أبي الحسن الأخفش تكون من زائدة أي أخباركم. وقيل : نبأ بمعنى أعلم المتعدية إلى ثلاثة، والثالث محذوف اختصارا لدلالة الكلام عليه أي : من أخباركم كذبا أو نحوه. وسيرى اللّه توعد أي : سيراه في حال وجوده، فيقع الجزاء منه عليه إن خيرا فخير وإن شرا فشر. وقال الزمخشري : وسيرى اللّه عملكم أتنيبون أم تثبتون على الكفر، ثم تردون إشارة إلى البعث من القبور والتنبؤ بأعمالهم عبارة عن جزائهم عليها. قال ابن عيسى : وسيرى لجعله من الظهور بمنزلة ما يرى، ثم يجازى عليه. وقيل : كانوا يظهرون