البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٩
فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ «١» ويجوز أن تكون في باقية على مدلولها من الظرفية وفِي النَّارِ كذلك ويتعلّقان بلفظ ادْخُلُوا وذلك على أن يكون فِي النَّارِ بدل اشتمال كقوله قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ «٢» ويجوز أن يتعدّى الفعل إلى حرفي جرّ بمعنى واحد على طريقة البدل.
كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها كُلَّما للتّكرار ولا يستوي ذلك في الأمة الأولى فالاحقة تلعن السابقة أو يلعن بعض الأمة الدّاخلة بعضها ومعنى أُخْتَها أي في الدين والمعنى كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان وغيرهم من الكفار، وقال الزمخشري : أُخْتَها التي ضلّت بالاقتداء بها انتهى، والمعنى أنّ أهل النار يلعن بعضهم بعضا ويعادي بعضهم بعضا ويكفر بعضهم ببعض، كما جاء في آيات أخر.
حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ حَتَّى غاية لما قبلها والمعنى أنهم يدخلون فوجا ففوجا لاعنا بعضهم بعضا إلى انتهاء تداركهم وتلاحقهم في النار واجتماعهم فيها وأصل ادَّارَكُوا تداركوا أدغمت التاء في الدّال فاجتلبت همزة الوصل، قال ابن عطية، وقرأ أبو عمرو وادّاركوا بقطع ألف الوصل، قال أبو الفتح : هذا مشكل ولا يسوغ أن يقطعها ارتجالا فذلك إنما يجيء شاذّا في ضرورة الشّعر في الاسم أيضا لكنّه وقف مثل وقفة المستنكر ثم ابتدأ فقطع، وقرأ مجاهد بقطع الألف وسكون الدّال وفتح الراء بمعنى أدرك بعضهم بعضا، وقرأ حميد أدركوا بضمّ الهمزة وكسر الرّاء أي ادخلوا في إدراكها، وقال مكي في قراءة مجاهد : إنها ادّركوا بشدّ الدال المفتوحة وفتح الرّاء قال وأصلها ادتركوا وزنها افتعلوا، وقرأ ابن مسعود والأعمش تداركوا ورويت عن أبي عمر انتهى، وقال أبو البقاء، وقرىء إذا ادَّارَكُوا بألف واحدة ساكنة والدّال بعدها مشدّدة وهو جمع بين ساكنين وجاز في المنفصل كما جاز في المتصل، وقد قال بعضهم : اثنا عشر بإثبات الألف وسكون العين انتهى ويعني بقوله كما جاز في المتصل نحو الضالين وجان وأُخْراهُمْ الأمّة الأخيرة في الزمان التي وجدت ضلالات مقررة مستعملة لِأُولاهُمْ التي شرعت ذلك وافترت وسلكت سبيل الضّلال ابتداء أو أُخْراهُمْ منزلة ورتبة وهم الأتباع والسفلة لِأُولاهُمْ منزلة ورتبة وهم القادة المتبوعون، أو أُخْراهُمْ في الدّخول إلى النار وهم الأتباع لأولاهم دخولا وهم القادة أقوال آخرها لمقاتل، وقال ابن عباس : آخر أمة لأول أمة وأخرى هنا بمعنى آخرة مؤنّث آخر فمقابل أوّل لا مؤنث له آخر بمعنى غير لقوله وِزْرَ أُخْرى «٣» واللام في

(١ - ٢) سورة النحل : ١٦/ ٢٩.
(٣) سورة الأنعام : ٦/ ١٦٤ وغيرها.


الصفحة التالية
Icon