البحر المحيط، ج ٥، ص : ٥٢
أوقع لأنّ سم الإبرة يضرب بها المثل في الضّيق والجمل وهو هذا الحيوان المعروف يضرب به المثل في عظم الجثة كما ذكرنا، وسئل ابن مسعود عن الجمل فقال زوج الناقة وذلك منه استجهال للسائل ومنع منه أن يتكلف له معنى آخر، وقرأ عبد اللّه وقتادة وأبو رزين وابن مصرف وطلحة بضم سين سَمِّ، وقرأ أبو عمران الحوفي وأبو نهيك والأصمعي عن نافع بكسر السين، وقرأ عبد اللّه وأبو رزين وأبو مجلز المخيط بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الياء، وقرأ طلحة بفتح الميم.
وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ أي مثل ذلك الجزاء نَجْزِي أهل الجرائم، وقال الزمخشري ليؤذن أن الإجرام هو السبب الموصل إلى العقاب وأن كل من أجرم عوقب ثم كرره تعالى فقال وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ لأن كل مجرم ظالم لنفسه انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال.
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ هذه استعارة لما يحيط بهم من النار من كل جانب كما قال لهم مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ «١» والغواشي جميع غاشية، قال ابن عباس والقرظي وابن زيد : هي اللحف، وقال عكرمة : يغشاهم الدّخان من فوقهم، وقال الزّجاج : غاشية من النار، وقال الضحاك :
المهاد الفرش والغواشي اللحف والتنوين في غَواشٍ تنوين صرف أو تنوين عوض قولان وتنوين عوض من الياء أو من الحركة قولان كل ذلك مقرّر في علم النحو، وقرىء غَواشٍ بالرفع كقراءة عبد اللّه وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ «٢».
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ لما أخبر بوعيد الكفار أخبر بوعد المؤمنين وخبر والَّذِينَ الجملة من لا نُكَلِّفُ نَفْساً منهم أو الجملة من أُولئِكَ وما بعده وتكون جملة لا نُكَلِّفُ اعتراضا بين المبتدأ والخبر، وفائدته أنه لما ذكر قوله وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ نبه على أن ذلك العمل وسعهم وغير خارج عن قدرتهم وفيه تنبيه للكفار على أنّ الجنة مع عظم محالها يوصل إليها بالعمل السهل من غير مشقة، وقال القاضي أبو بكر بن الطيّب : لم يكلف أحدا في نفقات الزوجات إلا ما وجد وتمكن منه دون ما لا تناله يده ولم يرد إثبات الاستطاعة قبل الفعل، ونظيره لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها «٣» انتهى، وليس السياق يقتضي ما ذكره، وقال الزمخشري : جملة معترضة بين المبتدأ والخبر للترغيب في اكتساب ما لا يكتنهه
(٢) سورة الرحمن : ٥٥/ ٢٤.
(٣) سورة الطلاق : ٦٥/ ٧.