البحر المحيط، ج ٥، ص : ٥٣١
اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ. ذكر أولا ما يحدث عنهم من القول على سبيل الاستهزاء، ثم ذكر ثانيا ما يصدر منهم من الفعل على سبيل الاستهزاء وهو الإيماء والتغامز بالعيون إنكارا للوحي، وسخرية قائلين : هل يراكم من أحد من المسلمين لننصرف، فإنا لا نقدر على استماعه ويغلبنا الضحك، فنخاف الافتضاح بينهم، أو ترامقوا يتشاورون في تدبير الخروج والانسلال لو إذا يقولون : هل يراكم من أحد؟ والظاهر إطلاق السورة أية سورة كانت. وقيل : ثم صفة محذوفة أي : سورة تفضحهم ويذكر فيها مخازيهم، نظر بعضهم إلى بعض على جهة التقرير، يفهم من تلك النظرة التقرير : هل يراكم من ينقل عنكم؟ هل يراكم من أحد حين تدبرون أموركم؟ ثم انصرفوا أي : عن طريق الاهتداء، وذلك أنهم حين ما بين لهم كشف أسرارهم والإعلام بمغيبات أمورهم يقع لهم لا محالة تعجب وتوقف ونظر، فلو اهتدوا لكان ذلك الوقت مظنة النظر الصحيح والاهتداء. قال الضحاك : هل اطلع أحد منهم على سرائركم مخافة القتل ثم انصرفوا إن كان حقيقة فالمعنى : قاموا من المكان الذي تتلى فيه السورة أو مجازا، فالمعنى : انصرفوا عن الإيمان، وذلك وقت رجوعهم إليه وإقبالهم عليه، قاله الكلبي، أو رجعوا إلى الاستهزاء أو إلى الطعن في القرآن والتكذيب له ولمن جاء به، أو عن العمل بما كانوا يسمعونه، أو عن طريق الاهتداء بعد أن بين لهم ومهد وأقيم دليله، وهذا القول راجع لقول الكلبي.
صرف اللّه قلوبهم صيغته خبر، وهو دعاء عليهم بصرف قلوبهم عما في قلوب أهل الإيمان، قاله الفراء. والظاهر أنه خير لما كان الكلام في معرض ذكر التكذيب، بدأ بالفعل المنسوب إليهم وهو قوله : ثم انصرفوا، ثم ذكر فعله تعالى بهم على سبيل المجازاة لهم على فعلهم كقوله : فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ «١». قال الزجاج : أضلهم. وقيل : عن فهم القرآن والإيمان به. وقال ابن عباس : عن كل رشد وخير وهدى. وقال الحسن : طبع عليها بكفرهم. قال الزمخشري : صرف اللّه قلوبهم دعاء عليهم بالخذلان، وبصرف قلوبهم عما في قلوب أهل الإيمان من الانشراح. بأنهم قوم لا يفقهون يحتمل أن يكون متعلقا بانصرفوا، أو بصرف، فيكون من باب الإعمال أي : بسبب انصرافهم، أو صرف اللّه قلوبهم هو بسبب أنهم لا يتدبرون القرآن فيفقون ما احتوى عليه مما يوجب إيمانهم والوقوف عنده.
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ