البحر المحيط، ج ٥، ص : ٥٩
وقال الزمخشري :(فإن قلت) : ما محل قوله لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ؟ (قلت) :
لا محلّ له لأنه استئناف كأنّ سائلا سأل عن أصحاب الأعراف فقيل له لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ يعني أنّ دخولهم الجنة استأخر عن دخول أهل الجنة فلم يدخلوها لكونهم محبوسين وهم يطمعون لم ييأسوا ويجوز أن يكون له محل بأن يقع صفة انتهى، وهذا توجيه ضعيف للفصل بين الموصوف وصفته بجملة ونادوا وليست جملة اعتراض وقرأ ابن «١» النحوي وهم طامعون، وقرأ إياد بن لقيط وهم ساخطون، وقرأ الأعمش وإذا قلبت أَبْصارُهُمْ والضمير في أبصارهم عائد على رجال الأعراف يسلّمون على أهل الجنّة وإذا نظروا إلى أهل النّار دعوا اللّه في التخلّص منها قاله ابن عباس وجماعة، وقال أبو مجلز : الضمير لأهل الجنة وهم لم يدخلوها بعد وفي قوله صُرِفَتْ دليل أنّ أكثر أحوالهم النظر إلى تلقاء أصحاب الجنة وأن نظرهم إلى أصحاب النار هو بكونهم صرفت أبصارهم تلقاءهم فليس الصّرف من قبلهم بل هم محمولون عليه مفعول بهم ذلك لأنّ ذلك المطلع مخوف من سماعه فضلا عن رؤيته فضلا عن التلبس به والمعنى أنهم إذا حملوا على صرف أبصارهم ورأوا ما هم عليه من العذاب استغاثوا بربّهم من أن يجعلهم معهم ولفظه رَبَّنا مشعرة بوصفه تعالى بأنه مصلحهم وسيدهم وهم عبيد فبالدعاء به طلب رحمته واستعطاف كرمه.
وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ يحتمل أن يكون هذا النداء وأولئك الرجال في النار ومعرفتهم إياهم في الدنيا بعلامات ويحتمل أن يكون وهم يحملون إلى النار وسيماهم تسويد الوجه وتشويه الخلق، وقال أبو مجلز : الملائكة تنادي رجالا في النار وهذا على تفسيره أنّ الأعراف هم ملائكة والجمهور على أنهم آدميون ولفظ رِجالًا يدل على أنهم غير معينين، وقال ابن القشيري : ينادي أصحاب الأعراف رؤساء المشركين قبل امتحاء صورهم بالنار يا وليد بن المغيرة يا أبا جهل بن هشام يا عاصي بن وائل يا عتبة بن أبي معيط يا أمية بن خلف يا أبي بن خلف يا سائر رؤساء الكفّار ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ في الدنيا المال والولد والأجناد والحجاب والجيوش وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ عن الإيمان انتهى، وَما أُغْنِي استفهام توبيخ وتقريع، وقيل : نافية وما في وما كُنْتُمْ مصدريّة أي وكونكم تستكبرون وقرأت فرقة تستكثرون بالثاء مثلثة من الكثرة.
أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ