البحر المحيط، ج ٥، ص : ٦٥
الحديث الثابت في الصحيح
وتبقى ستة أيام على ظاهرها من العددية ومن كونها أياما باعتبار امتياز اليوم عن الليلة بطلوع الشمس وغروبها وأما استواؤه على العرش فحمله على ظاهره من الاستقرار بذاته على العرش قوم والجمهور من السّلف السفيانان ومالك والأوزاعي والليث وابن المبارك وغيرهم في أحاديث الصفات على الإيمان بها وإمرارها على ما أراد اللّه تعالى من غير تعيين مراد وقوم تأوّلوا ذلك على عدّة تأويلات. وقال سفيان الثوري فعل فعلا في العرش سماه استواء وعن أبي الفضل بن النحوي أنه قال الْعَرْشِ مصدر عرش يعرش عرشا والمراد بالعرش في قوله ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ هذا وهذا ينبو عنه ما تقرر في الشريعة من أنه جسم مخلوق معين ومسألة الاستواء مذكورة في علم أصول الدين وقد أمعن في تقرير ما يمكن تقريره فيها القفال وأبو عبد اللّه الرازي وذكر ذلك في التحرير فيطالع هناك ولفظة الْعَرْشِ مشتركة بين معان كثيرة فالعرش سرير الملك ومنه ورفع أبويه على العرش نكروا لها عرشها والْعَرْشِ السّقف وكل ما علا وأظل فهو عرش والْعَرْشِ الملك والسلطان والعزّ، وقال زهير :
تداركتما عبسا وقد ثل عرشها وذبيان إذ زلّت بأقدامها النعل
وقال آخر :
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم بعتيبة بن الحارث بن شهاب
والعرش الخشب الذي يطوى به البئر بعد أن يطوى أسفلها بالحجارة والعرش أربعة كواكب صغار أسفل من العواء يقال لها : عجز الأسد ويسمّى عرش السّماك والعرش ما يلاقي ظهر القدم وفيه الأصابع واستوى أيضا يستعمل بمعنى استقرّ وبمعنى علا وبمعنى قصد وبمعنى ساوى وبمعنى تساوى وقيل بمعنى استولى وأنشدوا :
هما استويا بفضلهما جميعا على عرش الملوك بغير زور
وقال ابن الأعرابي لا نعرف استوى بمعنى استولى والضمير في قوله ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يحتمل أن يعود على المصدر الذي دلّ عليه خلق ثم استوى خلقه على العرش وكذلك في قوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «١» لا يتعين حمل الضمير في قوله استوى على الرحمن إذ يحتمل أن يكون الرحمن خبر مبتدأ محذوف والضمير في اسْتَوى عائد على الخلق المفهوم من قوله تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى «٢» أي هو الرحمن استوى خلقه على العرش لأنه تعالى لما ذكر خلق السموات والأرض ذكر خلق ما هو أكبر وأعظم وأوسع من

(١) سورة سورة طه : ٢٠/ ٥.
(٢) سورة طه : ٢٠/ ٤.


الصفحة التالية
Icon