البحر المحيط، ج ٥، ص : ٦٨
أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ لما تقدّم ذكر خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم وأمره فيها قال ذلك أي له الإيجاد والاختراع وجرى ما خلق واخترع على ما يريده ويأمر به لا أحد يشركه في ذلك ولا في شيء منه، وقيل : الخلق بمعنى المخلوق والأمر مصدر من أمر أي المخلوقات كلها له وملكه واختراعه وعلى هذا قال النقاش وغيره : الآية ردّ على القائلين بخلق القرآن لأنه فرق بين المخلوقات وبين الكلام إذ الأمر كلامه انتهى، وهو استدلال ضعيف إذ لا يتعيّن حمل اللفظ على ما ذكر بل الأظهر خلافه، وقال الشعبي : الخلق عبارة عن الدنيا والأمر عبارة عن الآخرة.
تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ أي علا وعظم ولما تقدّم إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ صدر الآية جاء آخرها فتبارك اللّه رب العالمين وجاء الْعالَمِينَ أعمّ من ربكم لأنه ذكر خلق تلك الأشياء البديعة وهي عوالم كثيرة فجاء العالمين جمعا لجميع العوالم واندرج فيه المخاطبون بربكم وغيرهم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٥٥ إلى ٥٦]
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً الظاهر أنّ الدعاء هو مناجاة اللّه بندائه لطلب أشياء ولدفع أشياء، وقال الزّجاج : المعنى اعبدوا وانتصب تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً على الحال أي متضرّعين ومخفين أو ذوي تضرّع واختفاء في دعائكم وفي الحديث الصحيح «إنكم لستم تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا»
وكان الصحابة حين أخبرهم الرسول بذلك قد جهروا بالذكر أمر تعالى بالدعاء مقرونا بالتذلل والاستكانة والاختفاء إذ ذاك ادّعى للإجابة وأبعد عن الرياء والدعاء خفية أفضل من الجهر ولذلك أثنى اللّه على زكريا عليه السلام فقال : إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا «١» وفي الحديث «خير الذّكر الخفي»
وقواعد الشريعة مقررة أن السرّ فيما لم يفترض من أعمال البر أعظم أجرا من الجهر. قال الحسن :
أدركنا أقواما ما كان على الأرض عمل يقدرون أن يكون سرا فيكون جهرا أبدا ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم