البحر المحيط، ج ٥، ص : ٧٨
والسحاب اسم جنس بينه وبين مفرده تاء التأنيث فيذكر كقوله وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ «١» كقوله يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ «٢» ويؤنث ويوصف ويخبر عنه بالجمع كقوله وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ «٣» وكقوله وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ «٤» وثقله بالماء الذي فيه ونسب السّوق إليه تعالى بنون العظمة التفاتا لما فيه من عظيم المنة وذكر الضمير في سُقْناهُ رعيا للفظ كما قلنا إنه يذكر. وقال السدّي يرسل تعالى الرياح فتأتي السحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض حيث يلتقيان فيخرجه من ثم ثم ينتشر ويبسطه في السماء وتفتح أبواب السماء ويسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك قال وهذا التفصيل لم يثبت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم انتهى. ومذهب أهل الحق أن اللّه تعالى هو الذي يسخّر الرّياح ويصرفها حيث أراد بمشيئته وتقديره لا مشارك له في ذلك وللفلاسفة كيفية في حصول الرياح ذكرها أبو عبد اللّه الرازي وأبطلها من وجوه أربعة يوقف عليها في كلامه وللمنجمين أيضا كلام في ذلك أبطله، وقال في آخره فثبت بهذا البرهان أنّ محرّك الرّياح هو اللّه تعالى وثبت بالدليل العقلي صحّة قوله وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ.
وعن ابن عمران الرّياح ثمان أربع منها عذاب وهي : القاصف والعاصف والصّرصر والعقيم وأربع منها رحمة : الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات واللام في لِبَلَدٍ عندي لام التبليغ كقولك قلت لك، وقال الزمخشري : لأجل بلد فجعل اللام لام العلة ولا يظهر فرق بين قولك سقت لك مالا وسقت لأجلك مالا فإنّ الأوّل معناه أوصلته لك وأبلغتكه والثاني لا يلزم منه وصوله إليه بل قد يكون الذي وصل له المال غير الذي علّل به السوق ألا ترى إلى صحة قول القائل لأجل زيد سقت لك مالك. ووصف البلد بالموت استعارة حسنة لجدبه وعدم نباته كأنه من حيث عدم الانتفاع به كالجسد الذي لا روح فيه ولما كان ذلك موضع قرب رحمة اللّه وإظهار إحسانه ذكر أخص الأرض وهو البلد حيث مجتمع الناس ومكان استقرارهم ولما كان في سورة يس المقصد إظهار الآيات العظيمة الدالة على البعث جاء التركيب باللفظ العام وهو قوله وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ «٥» وبعده وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ وآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ وسكن ياء الميت عاصم وأبو عمرو والأعمش.
فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ الظاهر أنّ الباء ظرفية والضمير عائد على بلد ميت أي فأنزلنا فيه الماء وهو أقرب مذكور ويحسن عوده إليه فلا يجعل لأبعد مذكور، وقيل الباء سببيّة والضمير

(١) سورة البقرة : ٢/ ١٦٤.
(٢) سورة النور : ٢٤/ ٤٣.
(٣) سورة الرعد : ١٣/ ١٢.
(٤) سورة ق : ٥٠/ ١٠.
(٥) سورة يس : ٣٦/ ٣٣.


الصفحة التالية
Icon