البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٠٧
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ : ذكر تعالى عبادا قضى عليهم بالشقاوة فلا تتغير، والكلمة التي حقت عليهم قال قتادة : هي اللعنة والغضب. وقيل : وعيده أنهم يصيرون إلى العذاب. وقال الزمخشري :
قول اللّه تعالى الذي كتب في اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفارا فلا يكون غيره، وتلك كتابة معلوم لا كتابة مقدر ومراد للّه تعالى اللّه عن ذلك انتهى. وكلامه أخيرا على طريقة الاعتزال. وقال أبو عبد اللّه الرازي : المراد من هذه الكلمة كلم اللّه بذلك، وإخباره عنه، وخلقه في العبد مجموع القدرة، والداعية وهو موجب لحصول ذلك الأمر. وقال ابن عطية :
المعنى أنّ اللّه أوجب لهم سخطه من الأزل وخلقهم لعذابه، فلا يؤمنون ولو جاءهم كل بيان وكل وضوح إلا في الوقت الذي لا ينفعهم فيه الإيمان، كما صنع فرعون وأشباهه، وذلك وقت المعاينة. وفي ضمن الألفاظ التحذير من هذه الحال، وبعث كل على المبادرة إلى الإيمان والفرار من سخط اللّه. ويجوز أن يكون العذاب الأليم عند تقطع أسبابهم يوم القيامة، وتقدم الخلاف في قراءة كلمة بالإفراد وبالجمع.
فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ : لو لا هنا هي التحضيضية التي صحبها التوبيخ، وكثيرا ما جاءت في القرآن للتحضيض، فهي بمعنى هلا. وقرأ أبي وعبد اللّه فهلا، وكذا هو في مصحفيهما. والتحضيض أن يريد الإنسان فعل الشيء الذي يحض عليه، وإذا كانت للتوبيخ فلا يريد المتكلم الحض على ذلك الشيء، كقول الشاعر :
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضوطري لو لا الكمي المقنعا
لم يقصد حضهم على عقر الكمي المقنع، وهنا وبخهم على ترك الإيمان النافع.
والمعنى : فهلا آمن أهل القرية وهم على مهل لم يلتبس العذاب بهم، فيكون الإيمان نافعا لهم في هذه الحال. وقوم منصوب على الاستثناء المنقطع، وهو قول سيبويه والكسائي والفراء والأخفش، إذ ليسوا مندرجين تحت لفظ قرية. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون متصلا، والجملة في معنى النفي كأنه قيل : ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس.
وقال ابن عطية : هو بحسب اللفظ استثناء منقطع، وكذلك رسمه النحويون وهو بحسب المعنى متصل، لأنّ تقديره ما آمن أهل قرية إلا قوم يونس، والنصب هو الوجه، ولذلك