البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٢١
أعظم مشاركة، وربما زادوا على المسلمين في ذلك. قال : ووصف المتاع بالحسن إنما هو لطيب عيش المؤمن برجائه في اللّه عز وجل، وفي ثوابه وفرحه بالتقرب إليه بمفروضاته، والسرور بمواعيده، والكافر ليس في شيء من هذا، والأجل المسمى هو أجل الموت قاله :
ابن عباس والحسن. وقال ابن جبير : يوم القيامة، والضمير في فضله يحتمل أن يعود على اللّه تعالى أي : يعطي في الآخرة كل من كان له فضل في عمل الخير، وزيادة ما تفضل به تعالى وزاده. ويحتمل أن يعود على كل أي : جزاء ذلك الفضل الذي عمله في الدنيا لا يبخس منه شيء، كما قال : نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها «١» أي جزاءها. والدرجات تتفاضل في الجنة بتفاضل الطاعات، وتقدم أمران بينهما تراخ، ورتب عليهما جوابان بينهما تراخ، ترتب على الاستغفار التمتيع المتاع الحسن في الدنيا، كما قال : فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً «٢» الآية وترتب على التوبة إيتاء الفضل في الآخرة، وناسب كل جواب لما وقع جوابا له، لأنّ الاستغفار من الذنب أول حال الراجع إلى اللّه، فناسب أن يرتب عليه حال الدنيا. والتوبة هي المنجية من النار، والتي تدخل الجنة، فناسب أن يرتب عليها حال الآخرة. والظاهر أنّ تولوا مضارع حذف منه التاء أي : وإن تتولوا. وقيل : هو ماض للغائبين، والتقدير قيل لهم : إني أخاف عليكم. وقرأ اليماني، وعيسى بن عمر : وإن تولوا بضم التاء واللام، وفتح الواو، مضارع ولىّ، والأولى مضارع أولى. وفي كتاب اللوامح اليماني وعيسى البصرة : وإن تولوا بثلاث ضمات مرتبا للمفعول به، وهو ضد التبري. وقرأ الأعرج : تولوا بضم التاء واللام، وسكون الواو، مضارع أولى، ووصف يوم بكبير وهو يوم القيامة لما يقع فيه من الأهوال. وقيل : هو يوم بدر وغيره من الأيام التي رموا فيها بالخذلان والقتل والسبي والنهب وأبعد من ذهب إلى أنّ كبير صفة لعذاب، وخفض على الجواز. وباقي الآية تضمنت تهديدا عظيما وصرحت بالبعث، وذكر أنّ قدرته عامة لجميع ما يشاء، ومن ذلك البعث، فهو لا يعجزه ما شاء من عذابهم.
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ : نزلت في الأخنس بن شريق، كان يجالس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويحلف أنه ليحبه ويضمر خلاف ما يظهر قاله ابن عباس. وعنه أيضا : في ناس كانوا يستحيون أن يفضوا إلى السماء في الخلاء ومجامعة النساء. وقيل : في بعض المنافقين، كان إذا مر بالرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كي لا يرى
(٢) سورة نوح : ٧١/ ١٠ - ١١.