البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٢٨
بإنعام من اللّه، وهو يعتقد أنّ ذلك اتفاق أو بعد، وهو اعتقاد فاسد. إنه لفرح أشر بطر، وهذا الفرح مطلق، فلذلك ذم المتصف به، ولم يأت في القرآن للمدح إلا مقيدا بما فيه خير كقوله : فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ «١» وقرأ الجمهور : لفرح بكسر الراء، وهي قياس اسم الفاعل من فعل اللازم. وقرأت فرقة : لفرح بضم الراء، وهي كما تقول : ندس، ونطس. وفخره هو تعاظمه على الناس بما أصابه من النعماء، واستثنى تعالى الصابرين يعني على الضراء وعاملي الصالحات. ومنها الشكر على النعماء. أولئك لهم مغفرة لذنوبهم يقتضي زوال العقاب والخلاص منه، وأجر كبير هو الجنة، فيقتضي الفوز بالثواب. ووصف الأجر بقوله : كبير، لما احتوى عليه من النعيم السرمدي ورفع التكاليف، والأمن العذاب، ورضا اللّه عنهم، والنظر إلى وجهه الكريم.
فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ. قال الزمخشري : كانوا يقترحون عليه آيات تعنتا لا استرشادا، لأنهم لو كانوا مسترشدين لكانت آية واحدة مما جاء به كافية في رشادهم. ومن اقتراحاتهم : لو لا أنزل عليه كنز، أو جاء معه ملك، وكانوا لا يعتدون بالقرآن، ويتهاونون به وبغيره مما جاء به من البينات، فكان يضيق صدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويضحكون منه، فحرك اللّه منه وهيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة بردهم واستهزائهم واقتراحهم بقوله : فلعلك تارك بعض ما يوحي إليك أي : لعلك تترك أن تلقيه إليهم، وتبلغه إياهم مخافة ردهم وتهاونهم به، وضائق به صدرك بأن تتلوه عليهم أن يقولوا مخافة أن يقولوا : لو لا أنزل عليه كنز، هلا أنزل عليه ما اقترحنا نحن من الكنز والملائكة، ولم ينزل عليه ما لا نريده ولا نقترحه. ثم قال : إنما أنت نذير أي : ليس عليك إلا أن تنذرهم بما أوحي إليك، وتبلغهم ما أمرت بتبليغه، ولا عليك ردّوا أو تهاونوا أو اقترحوا، واللّه على كل شيء وكيل يحفظ ما يقولون، وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل، فتوكل عليه، وكل أمرك إليه.
وقال ابن عطية : سبب نزول هذه الآية أن كفار قريش قالوا : يا محمد لو تركت سب آلهتنا وتسفيه آبائنا لجالسناك واتبعناك، وقالوا : إئت بقرآن غير هذا أو بدله، ونحو هذا من الأقوال، فخاطب اللّه تعالى نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم على هذه الصورة من المخاطبة، وقفه بها توقيفا رادّا

(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٧٠.


الصفحة التالية
Icon