البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٣١
الريب، ولا يزيل الريب إلا العلم بأنهم لا يقدرون على المماثلة التامة. وفي هذه الآية إنما التكليف بسبب قولهم : افتراه وكلفوا نحو ما قالوا : ولا يطرد هذا في آية يونس. وقال بعض الناس : هذه مقدمة في النزول على تلك، ولا يصح أن تكون السورة الواحدة إلا مفتراة، وآية سورة يونس في تكليف سورة مرتبة على قولهم افتراه، وكذلك آية البقرة إنما رمتهم بأن القرآن مفترى. وقائل هذا القول لم يلحظ الفرق بين التكليفين في كمال المماثلة مرة، ووقوفها على النظم مرة انتهى. والظاهر أن قوله : مثله، لا يراد به المثلية في كون المعارض عشر سور، بل مثله يدل على مماثلة في مقدار ما من القرآن. وروي عن ابن عباس : أنّ السور التي وقع بها طلب المعارضة لها هي معينة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة، ويونس، وهود. فقوله : مثله، أي مثل هذه عشر السور، وهذه السور أكثرها مدني، فكيف تصح الحوالة بمكة على ما لم ينزل بعد؟ ولعل هذا لا يصح عن ابن عباس. والضمير في فإن لم يستجيبوا لكم، عائد على من طلب منهم المعارضة، ولكم الضمير جمع يشمل الرسول والمؤمنين. وجوز أن يكون خطابا للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم على سبيل التعظيم، كما جاء فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ «١» قاله : مجاهد. وقيل :
ضمير يستجيبوا عائد على المدعوين، ولكم خطاب للمأمورين بدعاء من استطاعوا قاله الضحاك أي فإن لم يستجب من تدعونه إلى المعارضة فأذعنوا حينئذ، واعلموا أنه من عند اللّه وأنه أنزل ملتبسا بما لا يعلمه إلا اللّه من نظم معجز للخلق، وإخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه. واعلموا عند ذلك أنه لا إله إلا هو، وأن توحيده واجب، فهل أنتم مسلمون؟ أي تابعون للإسلام بعد ظهور هذه الحجة القاطعة؟ وعلى أن الخطاب للمؤمنين معنى فاعلموا أي : دوموا على العلم وازدادوا يقينا وثبات قدم أنه من عند اللّه. ومعنى فهل أنتم مسلمون :
أي مخلصو الإسلام، وقال مقاتل : بعلم اللّه، بإذن اللّه. وقال الكلبي : بأمره. وقال القتبي :
من عند اللّه، والذي يظهر أن الضمير في فإن لم يستجيبوا عائد على من استطعتم، وفي لكم عائد على الكفار، لعود الضمير على أقرب مذكور، ولكون الخطاب يكون لواحد.
ولترتب الجواب على الشرط ترتبا حقيقيا من الأمر بالعلم، ولا يتحرر بأنه أراد به فدوموا على العلم، ودوموا على العلم بأنه لا إله إلا هو، ولأن يكون قوله : فهل أنتم مسلمون تحريضا على تحصيل الإسلام، لا أنه يراد به الإخلاص، ولما طولبوا بالمعارضة وأمروا بأن يدعوا من يساعدهم على تمكن المعارضة، ولا استجاب أصنامهم ولا آلهتهم لهم، أمروا