البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٣٦
والضمير في منه عائد على القرآن، وقيل : على الخبر، بأن الكفار موعدهم النار.
وقرأ الجمهور : في مرية بكسر الميم، وهي لغة الحجاز. وقرأ السلمي، وأبو رجاء، وأبو الخطاب السدوسي، والحسن : بضمها وهي لغة أسد وتميم والناس أهل مكة قاله : ابن عباس، أو جميع الكفار من شاك وجاهل ومعاند قاله : صاحب العتيان.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ. لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ : لما سبق قولهم : أم يقولون افتراه، ذكر أنه لا أحد أظلم ممن افترى على اللّه كذبا، وهم المفترون الذين نسبوا إلى اللّه الولد، واتخذوا معه آلهة، وحرموا وحللوا من غير شرع اللّه، وعرضهم على اللّه بمعنى التشهير لخزيهم والإشارة بكذبهم، وإلا فالطائع والعاصي يعرضون على اللّه عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا
«١» والاشهاد : جمع شاهد، كصاحب وأصحاب، أو جمع شهيد كشريف وأشراف، والأشهاد الملائكة الذين يحفظون عليهم أعمالهم في الدنيا، أو الأنبياء، أو هما والمؤمنون، أو ما يشهد عليهم من أعضائهم أقوال. وفي قوله : هؤلاء إشارة إلى تحقيرهم وإصغارهم بسوء مرتكبهم. وفي قوله : على ربهم أي : على من يحسن إليهم ويملك نواصيهم، وكانوا جديرين أن لا يكذبوا عليه، وهذا كما تقول إذا رأيت مجرما : هذا الذي فعل كذا وكذا. وتقدم تفسير الجملة بعد هذا.
وهم تأكيد لقوله : وهم، وقوله : معجزين، أي كانوا لا يعجزون اللّه في الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم، وما كان لهم من ينصرهم ويمنعهم من العقاب، ولكنه أراد انظارهم وتأخير عقابهم إلى هذا اليوم. قال الزمخشري : وهو كلام الاشهاد يعني : أن كلامهم من قولهم هؤلاء إلى آخر هذه الجملة التي هي وما كان لهم من دون اللّه من أولياء. وقد يظهر أن قوله تعالى : ألا لعنة اللّه على الظالمين من كلام اللّه تعالى لا على سبيل الحكاية، ويدل لقول الزمخشري قوله : فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ «٢» الآية فكما أنه من كلام المخلوقين في تلك الآية، فكذلك هنا يضاعف لهم العذاب يشدد ويكثر، وهذا استئناف
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ٤٤.