البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٤١
والعامل فيه نراك أو اتبعك أو أراذلنا أي : وما نراك فيما يظهر لنا من الرأي، أو في أول رأينا، أو وما نراك اتبعك أول رأيهم، أو ظاهر رأيهم. واحتمل هذا الوجه معنيين :
أحدهما : أن يريد اتبعك في ظاهر أمرهم، وعسى أن تكون بواطنهم ليست معك. والمعنى الثاني : أن يريد اتبعوك بأول نظر وبالرأي البادئ دون تعقب، ولو تثبتوا لم يتبعوك، وفي هذا الوجه ذم الرأي غير المروي. وقال الزمخشري : اتبعوك أول الرأي، أو ظاهر الرأي، وانتصابه على الظرف أصله وقت حدوث أول أمرهم، أو وقت حدوث ظاهر رأيهم، فحذف ذلك، وأقيم المضاف إليه مقامه، أرادوا أنّ اتباعهم لك إنما هو شيء عنّ لهم بديهة من غير روية ونظر انتهى. وكونه منصوبا على الظرف هو قول أبيّ على في الحجة، وإنما حمله على الظرف وليس بزمان ولا مكان، لأنّ في مقدرة فيه أي : في ظاهر الأمر، أو في أول الأمر. وعلى هذين التقديرين أعني أن يكون العامل فيه نراك، أو اتبعك يقتضي أن لا يجوز ذلك، لأنّ ما بعد إلا لا يكون معمولا لما قبلها إلا إن كان مستثنى منه نحو : قام إلا زيدا القوم، أو مستثنى نحو : جاء القوم إلا زيدا، أو تابعا للمستثنى منه نحو : ما جاءني أحد إلا زيد أخبرني عمرو، وبادىء الرأي ليس واحدا من هذه الثلاثة. وأجيب بأنه ظرف، أو كالظرف مثل جهد رأي أنك ذاهب، أي أنك ذاهب في جهد رأي، والظروف يتسع فيها.
وإذا كان العامل أراذلنا فمعناه الذين هم أراذلنا بأدل نظر فيهم، وببادئ الرأي يعلم ذلك منهم. وقيل : بادي الرأي نعت لقوله : بشرا. وقيل : انتصب حالا من ضمير نوح في اتبعك، أي : وأنت مكشوف الرأي لا حصافة لك. وقيل : انتصب على النداء لنوح أي :
يا بادي الرأي، أي ما في نفسك من الرأي ظاهر لكل أحد، قالوا : ذلك تعجيزا له. وقيل :
انتصب على المصدر، وجاء الظرف والمصدر على فاعل، وليس بالقياس. فالرأي هنا إما من رؤية العين، وإما من الفكر. قال الزمخشري : وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية، لأنهم كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا، فكان الأشرف عندهم من له جاه ومال انتهى. وظاهر الخطاب في لكم شامل لنوح ومن اتبعه، والمعنى : ليس لكم علينا زيادة في مال، ولا نسب، ولا دين. وقال ابن عباس : في الخلق والخلق، وقيل : بكثرة الملك والملك، وقيل : بمتابعتكم نوحا ومخالفتكم لنا، وقيل : من شرف يؤهلكم للنبوّة، وقال الكلبي : نظنكم نتيقنكم، وقال مقاتل : نحسبكم أي في دعوى نوح وتصديقكم، وقال صاحب العتيان : بل نظنكم كاذبين توسلا إلى الرئاسة والشهرة.
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ