البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٤٤
فبدأت بالمخاطب قبل الغائب، فإنّ علامة الغائب العلامة التي لا يقع موقعها إياه وذلك قولك : أعطيتكه وقد أعطاكه. قال اللّه تعالى : أنلزمكموها وأنتم لها كارهون، فهذا كهذا، إذا بدأت بالمخاطب قبل الغائب انتهى. فهذا نص من سيبويه على ما قاله ابن أبي الربيع خلافا للزمخشري وابن مالك ومن سبقهما إلى القول بذلك. وقال الزمخشري : وحكى عن أبي عمرو إسكان الميم، ووجهه أنّ الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة، فظنها الراوي سكونا. والإسكان الصريح لحن عند الخليل وسيبويه وحذاق البصريين، لأن الحركة الإعرابية لا يسوغ طرحها إلا في ضرورة الشعر انتهى. وأخذه الزمخشري من الزجاج، قال الزجاج : أجمع النحويون البصريون على أنه لا يجوز إسكان حركة الإعراب إلا في ضرورة الشعر، فأما ما روي عن أبي عمرو فلم يضبطه عنه القراء، وروى عنه سيبويه أنه كان يخف الحركة ويختلسها، وهذا هو الحق. وإنما يجوز الإسكان في الشعر نحو قول امرئ القيس :
فاليوم أشرب غير مستحقب والزمخشري على عادته في تجهيل القراء وهم أجل من أن يلتبس عليهم الاختلاس بالسكون، وقد حكى الكسائي والفراء أنلزمكموها بإسكان الميم الأولى تخفيفا. قال النحاس : ويجوز على قول يونس أنلزمكمها، كما تقول : أنلزمكم ذلك ويريد إلزام جبر بالقتل ونحوه، وأما إلزام الإيجاب فهو حاصل. وقال النحاس : أنوحيها عليكم، وقوله في ذلك خطأ. قال ابن عطية : وفي قراءة أبيّ بن كعب أنلزمكموها من شطر أنفسنا، ومعناه من تلقاء أنفسنا. وروي عن ابن عباس أنه قرأ ذلك من شطر قلوبنا انتهى. ومعنى شطر نحو، وهذا على جهة التفسير لا على أنه قرآن لمخالفته سواد المصحف.
يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ. وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
. تلطف نوح عليه السلام بندائه بقوله : ويا قوم،