البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٤٦
ينصرني، استفهام معناه لا ناصر لي من عقاب اللّه إن طردتهم عن الخير الذي قد قبلوه، أو لأجل إيمانهم قاله : الفراء، وكانوا يسألونه أن يطردهم ليؤمنوا به أنفة منهم أن يكونوا معهم على سواء، ثم وقفهم بقوله : أفلا تذكرون، على النظر المؤدّي إلى صحة هذا الاحتجاج.
وتقدم تفسير الجمل الثلاث في الأنعام. وتزدري تفتعل، والدال بدل من التاء قال :
ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور
وأنشد الفراء :
يباعده الصديق وتزدريه حليلته وينهره الصغير
والعائد على الموصول محذوف أي : تزدرونهم، أي : تستحقرهم أعينكم. ولن يؤتيهم معمول لقوله : ولا أقول، وللذين معناه لأجل الذين. ولو كانت اللام للتبليغ لكان القياس لن يؤتيكم بكاف الخطاب، أي : ليس احتقاركم إياهم ينقص ثوابهم عند اللّه ولا يبطل أجورهم، اللّه أعلم بما في أنفسهم، تسليم للّه أي : لست أحكم عليهم بشيء من هذا، وإنما الحكم بذلك للّه تعالى الذي يعلم ما في أنفسهم فيجازيهم عليه. وقيل : هو رد على قولهم : اتبعك أراذلنا، أي لست أحكم عليهم بأن لا يكون لهم خير لظنكم بهم، إن بواطنهم ليست كظواهرهم، اللّه عز وجل أعلم بما في نفوسهم، إني لو فعلت ذلك لمن الظالمين، وهم الذين يضعون الشيء في غير مواضعه، قد جادلتنا الظاهر المبالغة في الخصومة والمناظرة. وقال الكلبي : دعوتنا، وقيل : وعظتنا، وقيل : أتيت بأنواع الجدال وفنونه فما صح دعواك.
وقرأ ابن عباس : فأكثرت جدلنا كقوله : وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا «١» فأتنا بما تعدنا من العذاب المعجل وما بمعنى الذي، والعائد محذوف أي بما تعدناه، أو مصدرية.
وإنما كثرت مجادلته لهم لأنّه أقام فيهم ما أخبر اللّه به ألف سنة إلا خمسين عاما، وهو كل وقت يدعوهم إلى اللّه وهم يجيبونه بعبادتهم أصنامهم. قال : إنما يأتيكم به اللّه، أي ليس ذلك إليّ إنما هو للإله الذي يعاقبكم على عصيانكم إن شاء أي : إن اقتضت حكمته أن يعجل عذابكم وأنتم في قبضته لا يمكن أن تفلتوا منه، ولا أن تمتنعوا. ولما قالوا : قد جادلتنا، وطلبوا تعجيل العذاب، وكان مجادلته لهم إنما هو على سبيل النصح والإنقاذ من عذاب اللّه قال : ولا ينفعكم نصحي.

(١) سورة الكهف : ١٨/ ٥٤.


الصفحة التالية
Icon