البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٥
السنين والحساب عند العرب. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريدهما معا بحسب أنهما مصرفان في معرفة عدد السنين والحساب، لكنه اجتزئ بذكر أحدهما كما قال : وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ «١» وكما قال الشاعر :
رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئا ومن أجل الطوى رماني
والمنازل هي البروج، وكانت العرب تنسب إليها الأنواء، وهي ثمانية وعشرون منزلة : الشرطين، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والدبرة، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزبانان، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلغ، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرع المؤخر، والرشاء وهو الحوت. واللام متعلقة بقوله : وقدره منازل. قال الأصمعي : سئل أبو عمرو عن الحساب، أفبنصبه أو بجره؟ فقال. ومن يدري ما عدد الحساب؟ انتهى. يريد أنّ الجر إنما يكون مقتضيا أنّ الحساب يكون يعلم عدده، والحساب لا يمكن أن يعلم منتهى عدده والحساب حساب الأوقات من الأشهر والأيام والليالي مما ينتفع به في المعاش والإجارات وغير ذلك مما يضطر فيه إلى معرفة التواريخ.
وقيل : اكتفى بذكر عدد السنين عن عدد الشهور، وكنى بالحساب عن المعاملات، والإشارة بذلك إلى مخلوقه. وذلك يشار بها إلى الواحد، وقد يشار بها إلى الجمع. ومعنى بالحق متلبسا بالحق الذي هو الحكمة البالغة، ولم يخلقه عبثا كما جاء رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا «٢» وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ «٣» وقال ابن جرير : الحق هنا هو اللّه تعالى، والمعنى : ما خلق اللّه ذلك إلا باللّه وحده لا شريك معه انتهى. وما قاله تركيب قلق، إذ يصير ما ضرب زيد عمرا إلا بزيد. وقيل :
الباء بمعنى اللام، أي للحق، وهو إظهار صنعته وبيان قدرته ودلالة على وحدانيته. وقرأ ابن مصرف : والحساب بفتح الحاء، ورواه أبو توبة عن العرب. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص : يفصل بالياء جريا على لفظة اللّه، وباقي السبعة بالنون على سبيل الالتفات والإخبار بنون العظمة، وخص من يعلم بتفصيل الآيات لهم، لأنهم الذين ينتفعون بتفصيل الآيات، ويتدبرون بها في الاستدلال والنظر الصحيح. والآيات العلامات الدالة أو آيات القرآن.

(١) سورة التوبة : ٩/ ٦٢.
(٢) سورة آل عمران : ٣/ ١٩١.
(٣) سورة الدخان : ٤٤/ ٣٨ - ٣٩.


الصفحة التالية
Icon