البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٦٢
نفس العمل مبالغة في ذمه كما قال : فإنما هي إقبال وإدبار، هذا على قراءة جمهور السبعة. وقرأ الكسائي : عمل غير صالح جعله فعلا ناصبا غير صالح، وهي قراءة : علي، وأنس، وابن عباس، وعائشة، وروتها عائشة وأم سلمة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم
، وهذا يرجح أن الضمير يعود على ابن نوح. قيل : ويرجح كون الضمير في أنه عائد على نداء نوح المتضمن السؤال أنّ في مصحف ابن مسعود أنه عمل غير صالح إن تسألني ما ليس لك به علم. وقيل : يعود على الضمير في هذه القراءة على ركوب ولد نوح معهم الذي تضمنه سؤال نوح المعنى : أن كونه مع الكافرين وتركه الركوب مع المؤمنين عمل غير صالح، وكون الضمير في إنه عائدا على غير ابن نوح عليه السلام تكلف وتعسف لا يليق بالقرآن.
قال الزمخشري :(فإن قلت) : فهلا قيل إنه عمل فاسد؟ (قلت) : لما نفاه من أهله نفى عنه صفتهم بكلمة النفي التي يستنفي معها لفظ المنفي وأذن بذلك أنه إنما أنجى من أنجى من أهله بصلاحهم، لا لأنهم أهلك وأقاربك، وإن هذا لما انتفى عنه الصلاح لم تنفعه أبوّتك.
وقرأ الصاحبان : تسألنّ بتشديد النون مكسورة، وقرأ أبو جعفر وشيبة وزيد بن علي كذلك، إلا أنهم أثبتوا الياء بعد النون، وابن كثير بتشديدها مفتوحة وهي قراءة ابن عباس. وقرأ الحسن وابن أبي مليكة : تسألني من غير همز، من سال يسال، وهما يتساولان، وهي لغة سائرة. وقرأ باقي السبعة بالهمز وإسكان اللام وكسر النون وتخفيفها، وأثبت الياء في الوصل ورش وأبو عمرو، وحذفها الباقون. قال الزمخشري : فلا تلتمس ملتمسا، أو التماسا لا تعلم أصواب هو أم غير صواب حتى تقف على كنهه، وذكر المسألة دليل على أنّ النداء كان قبل أن يغرق حين خاف عليه. (فإن قلت) : لم سمى نداءه سؤالا ولا سؤال فيه؟
(قلت) : قد تضمن دعاؤه معنى السؤال وإن لم يصرح به، لأنه إذا ذكر الموعد بنجاة أهله في وقت مشارفة الغرق فقد استنجز، وجعل سؤال ما لا يعرف كنهه جهلا وغباوة ووعظه أن لا يعود إليه وإلى أمثاله من أفعال الجاهلين. (فإن قلت) : قد وعد اللّه أن ينجي أهله، وما كان عنده أنّ ابنه ليس منهم دينا، فلما أشفي على الغرق تشابه عليه الأمر، لأنّ العدة قد سبقت له، وقد عرف اللّه حكيما لا يجوز عليه فعل القبيح وخلف الميعاد، فطلب إماطة الشبهة وطلب إماطة الشبهة واجب، فلم زجر وجعل سؤاله جهلا؟ (قلت) : إن اللّه عز وجل قدم له الوعد بإنجاء أهله مع استثناء من سبق عليه القول منهم، فكان عليه أن يعتقد أن في جملة أهله من هو مستوجب العذاب لكونه غير صالح، وأن كلهم ليسوا بناجين، وأن لا تخالجه شبهة حين شارف ولده الغرق في أنه من المستثنين لا من المستثنى منهم، فعوتب