البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٦٩
فلان، أي أنه مطيع له يصرفه كيف يشاء. ثم أخبر أنّ أفعاله تعالى في غاية الإحكام، وعلى طريق الحق والعدل في ملكه، لا يفوته ظالم ولا يضيع عنده من توكل عليه، قوله الصدق، ووعده الحق.
وقرأ الجمهور : فإن تولوا أي تتولوا مضارع تولى. وقرأ الأعرج وعيسى الثقفي : تولوا بضم التاء واللام مضارع ولّى، وقيل : تولوا ماض ويحتاج في الجواب إلى إضمار قول، أي : فقل لهم قد أبلغتكم، ولا حاجة تدعو إلى جعله ماضيا وإضمار القول. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون تولوا فعلا ماضيا، ويكون في الكلام رجوع من غيبة إلى خطاب أي : فقد أبلغتكم انتهى. فلا يحتاج إلى إضمار، والظاهر أنّ الضمير في تولوا عائد على قوم هود، وخطاب لهم من تمام الجمل المقولة قبل. وقال التبريزي : هو عائد على كفار قريش، وهو من تلوين الخطاب، انتقل من خطاب قوم هود إلى الإخبار عمن بحضرة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وكأنه قيل : أخبرهم عن قصة قوم هود، وادعهم إلى الإيمان باللّه لئلا يصيبهم كما أصاب قوم هود، فإن تولوا فقل لهم : قد أبلغتكم. وجواب الشرط هو قوله : فقد أبلغتكم، وصح أن يكون جوابا، لأن في إبلاغه إليهم رسالته تضمن ما يحل بهم من العذاب المستأصل، فكأنه قيل : فإن تتولوا استؤصلتم بالعذاب. ويدل على ذلك الجملة الخبرية وهي قوله : ويستخلف ربي قوما غيركم.
وقال الزمخشري :(فإن قلت) : الإبلاغ كان قبل التولي، فكيف وقع جزاء للشرط؟
(قلت) : معناه فإن تولوا لم أعاقب على تفريط في الإبلاغ، فإنّ ما أرسلت به إليكم قد بلغكم فأبيتم إلا تكذيب الرسالة وعداوة الرسول. وقال ابن عطية : المعنى أنه ما عليّ كبيرهم منكم إن توليتم فقد برئت ساحتي بالتبليغ، وأنتم أصحاب الذنب في الإعراض عن الإيمان. وقرأ الجمهور : ويستخلف بضم الفاء على معنى الخبر المستأنف أي : يهلككم ويجيء بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم. وقرأ حفص في رواية هبيرة : بجزمها عطفا على موضع الجزاء، وقرأ عبد اللّه كذلك، وبجزم ولا تضروه، وقرأ الجمهور : ولا تضرونه أي شيئا من الضرر بتوليتكم، لأنه تعالى لا تجوز عليه المضار والمنافع. قال ابن عطية : يحتمل من المعنى وجهين : أحدهما : ولا تضرونه بذهابكم وهلاككم شيئا أي :
لا ينقص ملكه، ولا يختل أمره، وعلى هذا المعنى قرأ عبد اللّه بن مسعود ولا تنقصونه شيئا. والمعنى الآخر : ولا تضرونه أي : ولا تقدرون إذا أهلككم على إضراره بشيء، ولا