البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٧
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ : أي يزيد في هداهم بسبب إيمانهم السابق وتثبتهم، فأما الذين آمنوا فزادتهم أو يهديهم إلى طريق الجنة بنور إيمانهم كما قال : يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ «١» قال مجاهد : يكون لهم إيمانهم نورا يمشون به. وفي الحديث :«إذا قام من قبره يمثل له رجل جميل الوجه طيب الرائحة فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا عملك الصالح، فيقوده إلى الجنة»
وبعكس هذا في الكافر. وقال ابن الأنباري : إيمانهم يهديهم إلى خصائص المعرفة، ومزايا في الألطاف تسر بها قلوبهم وتزول بها الشكوك والشبهات عنهم كقوله : وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً «٢» وهذه الزوائد والفوائد يجوز حصولها في الدنيا قبل الموت، ويجوز حصولها بعد الموت. قال القفال : وإذا حملنا الآية على هذا كان المعنى يهديهم ربهم بإيمانهم، وتجري من تحتهم الأنهار، إلا أنه حذف الواو. وقيل : معناه تقدّمهم إلى الثواب من قول العرب : القدم تهدي الساق. وقال الحسن : يرحمهم. وقال الكلبي : يدعوهم. والظاهر أنّ تجري مستأنفا فيكون قد أخبر عنهم بخبرين عظيمين :
أحدهما هداية اللّه لهم وذلك في الدنيا والآخر بجريان الأنهار، وذلك في الآخرة. كما تضمنت الآية في الكفار شيئين : أحدهما : اتصافهم بانتفاء رجاء لقاء اللّه وما عطف عليه، والثاني : مقرهم ومأواهم وذلك النار، فصار تقسيما للفريقين في المعنى. وتقدّم قول القفال : أن يكون تجري معطوفا حذف منه الحرف، وأن يكون حالا ومعنى من تحتهم أي :
من تحت منازلهم. وقيل : من بين أيديهم، وليس التحت الذي هو بالمسافة، بل يكون إلى ناحية من الإنسان. ومنه : قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا «٣» وقال : وهذه الأنهار تجري من تحتي.
قال الزمخشري :(فإن قلت) : دلت هذه الآية على أنّ الإيمان الذي يستحق به العبد الهداية والتوفيق والنور يوم القيامة هو الإيمان المقيد، وهو الإيمان المقرون بالعمل الصالح، والإيمان الذي لم يقترن بالعمل الصالح فصاحبه لا توفيق له ولا نور. (قلت) :
الأمر كذلك، ألا ترى كيف أوقع الصلة مجموعا فيها بين الإيمان والعمل كأنه قال : إنّ الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ثم قال : بإيمانهم، أي بإيمانهم المضموم إليه هذا العمل الصالح، وهو بين واضح لا شبهة فيه انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. وجوزوا
(٢) سورة محمد : ٤٧/ ١٧.
(٣) سورة مريم : ١٩/ ٢٤. [.....]